يعلم من المعلمين فيكون ذلك تقديرات حروف في الخيال وتصويرات كلمات في الوهم ويستحيل أن يكون كلامه تعالى من جنس المأخوذات والثاني ما هو مركوز في طبيعة النفس من التمييز والتفكير بحيث يعبر عنه باللسان فيكون هو مأخوذ اللسان وذلك أيضا مستحيل لأن ذلك يقتضي ترديد الخواطر وتقليب الأفكار والابتداء من مبدأ والانتهاء إلى منتهى وذلك كله محال فثبت أنه لا يجوز أن يكون من جنس كلام البشر وما كان خارجا عن كلام البشر لا يجوز أن يثبت بالاستدلال على كلام البشر لأن غير الجنس لا يدل على الجنس فيخرج على هذا قولكم إن كل عالم يجد من نفسه خبرا عن معلومه فإن هذا وإن سلم في الشاهد فكيف يستمر لكم طرده في الغائب مع تسليمكم أن الخبرين لا يتماثلان إلا في اسم الخبرية وكذلك قولكم إن كل ملك مطاع يجب أن يكون صاحب أمر بالتكليف فإنه مسلم في الشاهد على ما ذكرنا غير مطرد في الغائب على المنهج الذي هو معتاد في الشاهد وهذا الإلزام ليس يختص بمسألة الكلام بل متوجه على من يجمع بين الشاهد والغائب في معنى لا يشتركان فيه جنسا ومماثلة ويكون حكمه حكم من يجمع بين قرص الشمس ومنبع الماء لا في معنى يشتركان فيه جنسا ومماثلة بل بمجرد اسم العين المطلق عليهما بالاشتراك.
قال المتكلمون : الطريقة المختارة عندنا في إثبات الصفات الاستدلال بالدلائل التي نجدها في الشاهد ، فإنا بالأحكام استدللنا على العلم ، وبوقوع الأفعال على القدرة ، وبالاختصاص ببعض الجائزات على الإرادة ، كذلك نستدل بالتكاليف على العباد ذوي العقول والاستطاعة على أن الباري تعالى آمر ناه وله الأمر والنهي والوعد على إتيان المأمور به ، والوعيد على فعل المنهي عنه ، وهذا لا يتصور من جنس الفعل ، وإنما يتحقق من جنس القول ، فيستدل بالوجوه التي في الصنائع والأفعال على أنه تعالى خالق وبالوجوه التي في الشرائع والأحكام على أنه تعالى آمر (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [الأعراف : ٥٤] ، ووجه الاستدلال من الشرائع والأحكام أن التكليف اقتضاء وطلب المأمور به والاقتضاء قضية معقولة وراء العلم والقدرة والإرادة ، أما وجه المباينة بينها وبين العلم أن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو به وليس في تعلقه اقتضاء المعلوم بل هو تبيين وانكشاف ومن خاصيته أن يتعلق بالواجب والجائز والمستحيل والاقتضاء والأمر لا يتعلق بالواجب والمستحيل وأما وجه مباينته للقدرة أن القدرة صالحة للإيجاد فقط ، وإنما تتعلق بالممكن ويستوي في تعلقه كل ممكن في ذاته والاقتضاء والأمر والنهي لا يتعلق بكل ممكن ليحصل وجوده ، وأما