كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ، ثم ذلك ليس خطابا قوليا بل تصريفا وتسخيرا بحيث لو عبر عن تلك الحالة من التصريف والانقياد كان ذلك أمرا بالإتيان وجوابا بالطاعة لا بالعصيان وعلى ذلك المنهاج سيرة العباد في البلاد وتيسيره السير فيها حالة لو عبر عنها بالقول لكان خطابا لهم (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) [سبأ : ١٨] ، وكذلك كل موجود أبدعه الباري تعالى بلا زمان وبلا مادة ولا آلة بحيث لو عبّر عن حال الإيجاد والإبداع كان ذلك أمرا بالتكون كما قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] ، وإلا فالخطاب القولي مستحيل أن يتوجه إلى العدم ، وهذا في المبدأ كذلك نقول في حال الكمال أعني كمال حال الإنسان من النبوة والرسالة أو كمال حال الملائكة من الروح والواسطة فهم يصلون إلى حال في النفوس الشريفة والمناسبات اللطيفة بين الأرواح المجسدة المشخصة وبين الروحانيات البسيطة المجردة بحيث لو عبر عن تلك الحالة كان ذلك وحيا وتنزيلا وخطابا وسؤالا وجوابا وتقريبا وإيجابا وقالوا أيضا لو قدر للباري تعالى كلام فلم يخل من أحد الأمرين أما إن كان من جنس كلام البشر أو لم يكن فإن كان لم يخل أيضا من أحد الأمرين أما إن كان من جنس الكلام اللساني أو من جنس النطق النفساني ويستحيل أن يكون كلامه مثل الكلام في اللسان فإن هذا مركب من حروف منظومة والحروف تقطيع أصوات والأصوات اصطكاك أجرام والباري سبحانه تعالى عن أن يكون جرما أو مركبا من جرم وجسم وإن قدر كلامه يخلقه في محل لم يكن ذلك الكلام قولا له بل فعلا ونحن نوافقكم في التعريفات الفعلية على أن هذا التقدير يستحيل أيضا فإن ذلك المحل إما أن يشتمل على مخارج الحروف أولا يشتمل فإن اشتمل وجب أن يتحقق فيه حياة فيكون ذا بنية وهيئة إنسانية فيكون إنسانا فيكون الباري تعالى متكلما بلسان بشر فيكون قد تصور بصورة البشر فيلزم أن يقال إنه يسمع بسمعه ويبصر ببصره كما نطق بلسانه ويأخذ بيده ويمشي برجله وهذا هو الحلول الذي ذهب إليه أصحابه وإن لم يشتمل على مخارج الحروف كانت أصواتا مجردة لا حروفا منظومة فلا يكون كلامه من جنس كلامنا بل الأصوات الحادثة من حفيف الشجر ودوي الماء وصوت الرعد يكون كلاما له وذلك خلاف الكلام المتعارف فإن قيل إن كلامه من جنس النطق النفساني فهو باطل أيضا فإن النطق النفسي على وجهين أحدهما ما هو مأخوذ في اللسان عربيا وعجميا وغير ذلك إلى ما