كلام ونطق وخبر واستخبار وأمر ونهي ووعد ووعيد وأن سمعا يسمع كلامه فوق كل سمع هو مفطور للحرف والصوت كما أن سمعا يسمع الحروف والصوت فوق سمع هو مجبول بمجرد الصوت فنحن إذا لم نستدل بجنس على جنس بل بجنس على ما هو فوق الجنس فبطل استرواحهم إلى التقسيم الذي ذكروه.
ثم نقول آنفا ألستم تقولون إن واجب الوجود من حيث يعطي العقل في المعقول عاقل ومن حيث يعطي البدء في المبدأ قادر ومن حيث يعطي النظام على أتم وجوه الكمال مريد فهلا قلتم إنه من حيث يعطي النطق الروحاني للمفارقات والنطق النفساني لذوات القوالب آمر متكلم ثم هلا حملتم كلامه وأمره على ما حملتم علمه وقدرته وإرادته فيصير التنازع واحدا بيننا ويرجع الأمر إلى مسألة الصفات فما الذي عدا مما بدا وكيف اشتملت مسألة الكلام على محال لم تشتمل عليه مسألة العلم والقدرة عندكم.
قالت المعتزلة نحن نوافقكم على أن الباري تعالى متكلم لكن حقيقة المتكلم من فعل الكلام فهو فاعل الكلام في محل بحيث يسمع ويعلم أنه كلامه ضرورة لأنه لو كان المتكلم من قام به الكلام كما ذهبتم إليه وجب أن يكون كلامه إما قديما وإما حادثا وإن كان قديما ففيه إثبات القديمين ويرجع القول إلى مسألة الصفات ومما يختص بهذه المسألة من الاستحالة أنه لو كان قديما وهو أمر ونهي لزم أن يكون كلاما مع نفسه من غير مأمور ولا منهي ومن المحال الذي لا يتمارى فيه أن القول ب (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) [نوح : ١] ، ولا نوح ولا قومه إخبار عما ليس كما هو فهو مع استحالته كذب ومع كذبه محال وقوله (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) [طه : ١٢] ، لموسى ولا موسى ولا طور ولا الوادي المقدس طوى خطاب المعدوم والمعدوم كيف يخاطب وكذلك جميع ما في القرآن من الأوامر والنواهي والأخبار فوجب أن يكون الكلام يحدث عند حدوث المخاطب في الوقت الذي يصل الخطاب إليه فيكون الكلام حادثا ثم إما أن يحدث في ذاته كما صارت إليه الكرامية فيكون محلا للحوادث وذلك باطل وإما أن يحدث لا في محل أو في محل ولا بدّ من محل فإنه حرف والحرف تقطيع صوت والصوت في الجسم متصور فتعين أنه في جسم.
قالت الأشعرية : بنيتم مذهبكم على قاعدتين إحداهما تسليمكم كون الباري تعالى متكلما والثانية أن حد المتكلم وحقيقته من فعل الكلام فأما الأولى فلو نازعكم الصابئ والفيلسوف في كونه متكلما فما دليلكم في ذلك عليهما وعندكم الكلام فعل