الباري تعالى كسائر الأفعال ولا يرجع إليه حكم الكلام إلا أنه فاعل صانع فما الدليل على أنه متكلم أعني يوصف بمعنى يقوم بمحل آخر فما الفرق بين مذهبكم وبين مذهب من قال إنه يخلق فعلا يفهم عند ذلك أنه تعالى يريد من العبد فعلا أو يكرهه ، وإن أضيف إليه الكلام كان مجازا كما قال تعالى خطابا للسماء والأرض (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ، فلم يجز من حيث الحقيقة كلام هو اقتضاء وأمر وإيجاب من الله تعالى ولا تسلم وائتمار واستيجاب من السماء والأرض من حيث القول.
قالوا : طريقنا في إثبات كونه متكلما هو المعجزات الدالة على صدق قول الأنبياءعليهمالسلام وهم الصادقون المخبرون عن الله تعالى أنه قال كذا وأمر بكذا ونهى عن كذا.
قيل لهم : قد سددتم على أنفسكم هذه الطريقة بوجوه ؛ أحدها : أنكم زعمتم أنه لو لم يبعث الله رسولا كان على العاقل البالغ في عقله وجوب معرفة الله تعالى وعلى الباري تعالى وجوب ثوابه فلو لم يبعث الله رسولا فبم كنتم تثبتون كونه متكلما والثاني مصيركم إلى أن الكلام فعل من الأفعال فما دليلكم على أنه فعل ذلك الفعل الخاص ؛ إذ ليس كل مقدور فهو واقع بفعل الله تعالى والثالث زعمتم في الإرادة أنها مخلوقة لا في محل وفي الكلام أنه مخلوق في محل وفي الأمرين جميعا يرجع الحكم الأخص إلى الباري تعالى فما الفرق بين البابين.
ثم نقول : ليس يشك العاقل أن الكلام معنى من المعاني سواء كان ذلك المعنى عبارة منظومة من حروف منظومة وأصوات مقطعة أو كان صفة نفسية ونطقا عقليا من غير حرف وصوت وكل معنى قائم بمحل وصف المحل به لا محالة وذلك المعنى من حيث هو مخلوق مفعول ينسب إلى الفاعل ومن حيث هو معنى قام بمحل فينسب إلى المحل فمحل المعنى موصوف به لا محالة فالذي وصف الفاعل به هو وجه حدوثه منتسبا إلى قدرته حتى يقال محدث والذي وصف المحل به وجه تحققه منتسبا إلى ذاته القابلة له الموصوفة به وهذان وجهان معقولان ليس يتمارى فيهما عاقل فجعلهما وجها واحدا حتى يكون معنى كونه فاعلا هو معنى كونه موصوفا به خروج عن المعقول ومكابرة العقل ولا يرتفع المعنى المعقول بالاصطلاح على أن معنى المتكلم هو الفاعل للكلام.
ومما يدل على ذلك دلالة واضحة أن الكلام عند الخصم عبارة عن حروف