طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ، (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١٠] ، (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) [الرعد : ١٣] ، ويعبر عن أحوال دلالاتهم على وجود الصانع بالتسبيح والتأويب وعن استعدادهم لقبول فعله وصنعه بالطوع والرغبة قولا وذلك كله يدل على أن الكلام ليس نوعا من الأعراض ذا حقيقة عقلية كسائر الأعراض بل نطلقه على النطق الذي في اللسان بحكم المواضعة والمواطأة والإنسان قد يخلو عنه وعن ضده وتبقى حقيقة إنسانيته فإنه إنما يتميز عن الحيوانات بصورته وشكله لا بنفسه أو عقله ونطقه ، وقوله وأنتم يا معشر الأشاعرة انتهجتم مناهج الفلاسفة حيث حددتم الكلام بالنطق النفسي كما حدوا الإنسان بقولهم الحيوان الناطق ، وجعلوا النطق أخص وصف الإنسان تميز به عن سائر الحيوانات وجعلوه الفصل الذاتي ويلزمكم على مساق ذلك أن تكون النفس الناطقة هي الإنسان من حيث الحقيقة والبدن يكون آلة وقالبا لها ، ثم يلزم منه أن يكون الخطاب والتكليف على النفس والروح دون البدن والجسد وأن يكون المعاد للأرواح والنفوس والثواب والعقاب لها وعليها ، وذلك طي لمسالك الشريعة وغي في مهالك الطبيعة (١).
قالت الأشعرية : الذي يشعر به نفس الإنسان معان مختلفة الحقائق وراء التمييز العقلي والتصوير الخيالي فإن التمييز العقلي حكم جزم بأن الأمر كذا وإن الحق في القضية كذا والتصوير الخيالي تقدير ما سمعه من العبارة من العربية والعجمية كما ذكرتم وليس فيه حكم ونفي الأمر الأوسط وهو التدبير النفساني الذي لا يعدمه كل ذي عقل ونفس من الإنسان سواء عدم النطق اللساني أو لم يعدم.
ومن البرهان على ذلك سوى الإحساس الذي لا ينكره إلا معاند جاحد أن كل عاقل مكلف بالنظر والاستدلال حتى يحصل لنفسه المعرفة بوحدانية الصانع ولن يتأتى الفكر والنظر إلا بترديد الخاطرين في جهات الإمكان وتدبير الأوائل التي هي بداية العقل بالثواني والثوالث في ترتيب المقدمات القياسية والتمييز فيها بين اليقيني والجدلي والخطابي والشعري ثم التدرج من ذلك الترتيب المخصوص والشكل الموصوف المعين إلى النتيجة التي هي المطلوبة وهذا التردد لن يتأتى إلا بأقوال عقلية ونطق نفساني يكون اللسان معبرا عنها تارة بالعربية وتارة بالعجمية
__________________
(١) انظر : شرح قصيدة ابن قيم (ص ٦٤) ، وشرح العقيدة الطحاوية (ص ١٨٤) ، وغاية المرام للآمدي (ص ١٠٦) ، والمواقف للإيجي (٣ / ٣٨٥ ، ٤٠٥).