والجواب قلنا : كل ما حصره الوجود وكان قابلا للنهاية فهو متناه ضرورة وما لا يتناهى لا يتصور وجوده سواء كان له ترتيب وضعي أو طبيعي أو لم يكن.
والبرهان على ذلك بحيث يعمّ الأقسام الأربعة أن كل كثرة لا تتناهى فلا تخلو إما أن تكون غير متناهية من وجه أو غير متناهية من جميع الوجوه والجهات ، وعلى القسمين جميعا فإنا يمكننا أن نفصل منهما جزءا بالوهم ، أو بالعقل فنأخذ تلك الكثرة مع ذلك الجزء شيئا على حدة ونأخذها بانفرادها شيئا على حدة فلا يخلو إما أن تكون تلك الكثرة مع تلك الزيادة مساوية للكثرة من غير الزيادة عددا أو مساحة فيلزم أن يكون الزائد مثل الناقص ومساويا له وهذا محال وإما أن لا يكون مساويا له فيلزم أن يكون كثرتان غير متناهيتين وإحداهما أكبر والثانية أنقص وهو أيضا محال ، وهذا البرهان إن فرضته في جسم غير متناه من جميع الجهات أو من جهة واحدة فالعبارة عنه أن نقول لك أن تفرض نقطة من ذلك الجسم وتفصل منه مقدارا فتأخذ ذلك الجسم مع ذلك المقدار شيئا على حدة وبانفراده شيئا على حدة ثم نطبق بين النقطتين المتناهيتين في الوهم ، فلا يخلو إما أن يكونا بحيث يمتدان معا مطابقين في الامتداد إلى ما لا يتناهى فيكون الزائد والناقص متساويين ، وإما أن لا يمتدا بل يقصر أحدهما عنه فيكون متناهيا والقدر المفضول كان متناهيا أيضا ، فيكون المجموع متناهيا أيضا وقد فرضه غير متناه هذا خلف ، وكذلك إن فرضته في حركات غير متناهية أو أشخاص غير متناهية متعاقبة أو مجتمعة أو تفرض نفوسا غير متناهية معا أو مجتمعة في الوجود فالعبارة عنه أن يقول لك أن تفرض حركة واحدة أو شخصا واحدا وتفصل من الحركات أو الأشخاص مقدارا بالتوهم وتنسب الحركات الزائدة إلى الحركات الناقصة وتم البرهان من غير تفاوت بين الصورتين.
قال أبو علي بن سينا (١) : هاهنا فرق وهو أن الجسم له ترتيب وضعي أمكنك أن تعين فيه نقطة ثم ترتب عليها جواز الانطباق والامتداد إلى ما لا يتناهى وليس للحركات المتتالية ترتيب وضعي فإنها ليست معا في زمان واحد فلا يمكنك أن تعين فيها حركة واحدة وترتب عليها جواز الانطباق لأن ما لا يترتب في الوضع أو الطبع فلا يحتمل الانطباق.
قيل له : جوابك عن هذا الفرق من وجهين أحدهما أنك فرضت النقطة في الجسم والامتداد إلى ما لا يتناهى بالوهم وقدّرت التطبيق أيضا بالوهم فقدر وهما أن
__________________
(١) انظر : كتاب النجاة (ص ٣٠٢).