واحدا ، وأحدهما سبب والثاني مسبب كما يقال في الاستطاعة مع الفعل لكن الممتنع وجود ما له أول مع وجود ما لا أول له وقد بينا أن هذه المعية ممتنعة على الوجود كلها أعني بالذات والوجود والزمان والرتبة والفضيلة فإن التقدم والتأخر ، والمع يطلق على الشيئين إذا كانا متناسبين نوعا من المناسبة ولا نسبة بين الباري تعالى وبين العالم إلا بوجه الفعل والفاعلية والفاعل على كل حال متقدم والمفعول متأخر يبقى أن يقال : هل كان يجوز أن يخلق العالم قبل ما خلقه بحيث يكون نسبة بدوه إلى وقتنا أكثر زمانا فيجاب عنه أن إثبات الأولية والتناهي للعالم واجب تصوره عقلا إذ البرهان قد دل عليه وما وراء ذلك تقدير وهمي يسمى تجويزا عقليا والتقديرات والتجويزات لا تقف ولا تتناهى ، وهو كما إذا سألتم هل كان يجوز أن يحدث العالم أكبر مما خلقه بحيث يكون نسبة نهايته إلى مكاننا أكبر مسافة فيجاب عنه أن إثبات الحد والتناهي للعالم واجب تصوره عقلا إذ البرهان قد دل عليه ما وراء ذلك فتقدير ذهني يسمى تجويزا عقليا والتقديرات والتجويزات لا تتناهى فتقدير مكان وراء العالم مكانا كتقدير زمان وراء العالم زمانا وبالجملة حدث العالم حيث يتصور الحدوث والحادث ما له أول والقديم ما لا أول له ، والجمع بين ما له أول وبين ما لا أول له محال هذا ما نعقله من الحدوث ضرورة وهو كتناهي العالم من الحجمية والجسمية حذو القدة بالقدة.
فإن قيل : قد دل البرهان العقلي على أن جسما ما لا يتناهى ذاته بالفعل مستحيل وجوده فبينوا أن حركات متعاقبة وحوادث متتالية لا تتناهى مستحيل وجودها فإن عندنا التناهي واللاتناهي إنما يتطرق إلى أربعة أقسام اثنان منها لا يجوز أن يوجدا غير متناهيين الذات وهو ما له ترتيب وضعي كالجسم أو طبيعي كالعلل فجسم لا تتناهى ذاته مستحيل وجوده وعلل ومعلولات لا تتناهى بالعدد مستحيل وجودها أيضا ولكل واحد من القسمين ترتيب في الوجود أما الجسم فله ترتيب وضعي ولأجزائه اتصال ، ولكل جزء منه إلى جزء نسبة فلا يجوز وجود جسم غير متناه في زمان واحد ، وأما العلل فلها ترتيب طبيعي ، فإن المعلول يتعلق بعلته ولكل معلول إلى علته نسبة فلا يجوز وجود جسم وعلل ومعلولات لا تتناهى ، وأما القسمان اللذان يوجدان غير متناهي الذات فإن أحدهما الحوادث والحركات التي لا تترتب بعضها على بعض لضرورة ذاتها بل تتعاقب وتتوالى شيء بعد شيء في أزمنة غير متناهية فإن ذلك جائز عقلا والثاني النفوس الإنسانية فإنها موجودات لم تتعاقب بل هي مجتمعة في الوجود ولكن لا ترتيب لها وضعا كالجسم ولا طبعا كالعلل فيجوز أن توجد غير متناهية.