الوجود كما تقول تحركت يدي فتحرك المفتاح في كمي ولا يمكنك أن نقول تحرك المفتاح في كمي فتحركت يدي وإن كانت الحركتان معا في الوجود.
والجواب : قلنا : وجود الشيء بإيجاد موجده صواب من حيث اللفظ والمعنى بخلاف وجوب الشيء بإيجاب الموجب وذلك أن الممكن معناه أنه جائز وجوده وجائز عدمه لا جائز وجوبه وجائز امتناعه ، وإنما استفاد من المرجح وجوده لا وجوبه نعم لو وجد عرض له الوجوب عند ملاحظة السبب ، لأن السبب أفاده الوجوب حتى يقال : وجب بإيجابه ثم عرض له الوجوب بل أفاده الوجود فصح أن يقال : وجد بإيجاده وعرض له الوجوب فانتسب إليه وجوده إذ كان ممكن الوجود لا ممكن الوجوب ، وهذه دقيقة لطيفة لا بدّ من مراعاتها والذي نثبته أن الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود وجائز العدم والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط حتى يصح أن يقال أوجده أي أعطاه الوجود ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيات ، فالأمر اللازم العرضي لا يستند إلى الموجد ، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضي ونحن إذا قلنا وجد بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتي فاستقام كلامنا لفظا ومعنى وانحرف كلامكم عن سنن الجادة (١) ، ولربما نقول : إن الممكن إذا وجد في وقت معين أو على شكل مخصوص يجب وجوده على ذلك الوجه لأن الموجد إذا علم حصوله في ذلك الوقت على ذلك الشكل وأراد ذلك ، فهو واجب الوقوع لأن خلاف المعلوم مستحيل الوقوع والحصول ، وإذا كان ممكن الجنس جائز الذات لكن لم يكن وجوب ذلك إلا بإيجاب العلم والإرادة ، فإذا تحقق أن الوجود هو المستفاد في الحوادث لا الوجوب بطل الإيجاب الذاتي الذي يحتجون به حين بنوا عليه مقارنة وجود العالم بوجود الباري تعالى ولم يبق لهم إلا التمثيل بمثال ، وذلك من سخف المقال لأن الخصم ربما لا يسلم أن حركة اليد سبب حركة الكم والمفتاح ، ولا يقول بالتولد يبقى مجرد فاء التعقيب والتسبيب لفظا في قوله تحركت يدي فتحرك المفتاح ، وهذا كما أن المادة عند الخصم سبب ما لوجود الصورة حتى يصح أن يقال : لو لا المادة لما وجدت الصورة وهما معا في الوجود ، وليس في وجود الصورة بإيجاد المادة بل بإيجاب واهب الصور ثم إن سلم ذلك فيجوز أن يسبق السبب المسبب ذاتا ويقارنه زمانا ، فيكون زمان وجودهما
__________________
(١) انظر : الجواب الصحيح لابن تيمية (٣ / ٢٩٢).