بالرتبة والفضيلة لأن رتبة الواجب بذاته لا يكون كرتبة الواجب بغيره وظهر أن جائز الوجود وواجب الوجود لا يكونان معا بوجه من الوجوه واعتبار من الاعتبارات وصح القول كان الله ولم يكن معه شيء ، فما معنى قولكم الجائز دائم الوجود بالواجب أو مع الواجب ، أو قدرتم دوام وجود الباري تعالى زمانيا ممتدا مع الأزمنة غير المتناهية ، كما توهمتم وجود العالم زمانيا ممتدا في أزمنة لا تتناهى وبئس الوهم وهمكم في الدوامين فكأنكم أخذتم لفظ الدوام بالاشتراك المحض أما دوام وجود الباري تعالى ، فمعناه أنه واجب لذاته وبذاته ولا يتطرق إليه جواز ولا عدم بوجه من الوجه ، فهو الأول بلا أول كان قبله والآخر بلا آخر كان بعده وأوله آخره وآخره أوله أي ليس وجوده زمانيا ، وأما العالم فله أول ودوامه دوام زماني يتطرق إليه الجواز والعدم والقلة والكثرة والاستمرار والانقطاع فلو كان دائم الوجود بدوام الباري كان الباري دائم الوجود بدوام العالم ، فلو كان الدوامان بمعنى واحد فيلزم أن يكون وجود الباري تعالى زمانيا أو وجود العالم ذاتيا وكلا الوجهين باطل فبطل قولكم إن العالم دائم الوجود بالواجب ، وإنما يتضح هذا البطلان كل الوضوح إذا أثبتنا استحالة حوادث لا أول لها ووجود موجودات لا تتناهى.
وأما قولكم : إن العالم في المحل المتفق عليه إنما يستند إلى الموجد من حيث وجوده فقط والعدم لا تأثير له في صحة الإيجاد ، قلنا ولو استند إلى الموجد من حيث وجوده فقط لاستند كل موجود وتسلسل القول إلى ما لا يتناهى ولم يستند إلى واجب وجوده بل إنما استند إليه من حيث جوازه فقط والجواز قضية أخرى وراء الوجود والعدم ثم جواز الوجود سابق على الوجود بالذات فنقول إنما وجد به لأنه كان جائز الوجود ولا نقول : إنما كان جائز الوجود لأنه وجد فجواز وجوده ذاتي له والوجود عرضي والذاتي سابق على العرضي سبقا ذاتيا ، ثم بينا أن الجائز مستحق العدم باعتبار ذاته لو لا موجده فكان مسبوقا بوجوده ومسبوقا بعدم ذاته لو لا موجده ، لأن استحقاق وجوده عرضي مأخوذ من الغير واستحقاق عدمه ذاتي مأخوذ من ذاته فهو إذا مسبوق بوجود واجب ومسبوق بعدم جائز فتحقق له أول والجمع بين ما له أول وبين ما لا أول له محال.
فإن قيل : فما الفرق بين وجوب العالم بإيجاب الباري تعالى وبين وجوده بإيجاد الباري تعالى ، فإن العالم إذا كان ممكنا في ذاته ووجد بغيره فقد وجب به وهذا حكم كل علة ومعلول وسبب ومسبب ، فإن المسبب أبدا يجب بالسبب فيكون جائزا باعتبار ذاته واجبا باعتبار سببه ثم السبب يتقدم المسبب بالذات ، وإن كانا معا في