وَبِكَلامِي) [الأعراف : ١٤٤] ، فالرسالات بواسطة الرسل والكلام من غير واسطة لكنه من وراء حجاب ، وأما في حقنا فكلام الله تعالى مسموع بأسماعنا مقروء بألسنتنا محفوظ في صدورنا وقد تبين الفرق بين القراءة والمقروء في مسألة الكلام (١).
ومما تمسك به الأشعري في جواز رؤية الباري جلّ جلاله سؤال موسى عليهالسلام (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] ، وجواب الرب تعالى : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف: ١٤٣] ، ووجه الاستدلال أن موسى عليهالسلام هل كان عالما بجواز الرؤية أم كان جاهلا بذلك ، فإن كان جاهلا فهو غير عارف بالله تعالى حق معرفته ، وليس يليق ذلك بجناب النبوة ، وإن كان عالما بالجواز فقد علمه على ما هو به والسؤال بالجائز يكون لا بالمستحيل وجواب الرب تعالى (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] ، يدل على الجواز أيضا فإنه ما قال لست بمرئي لكنه أثبت العجز أو عدم الرؤية من جهة الرائي وعن هذا قال (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] ، إذ الجبل لما لم يكن مطيقا للتجلي مع شدته وصلابته فكيف يكون البصر مطيقا فربط المنع بأمر جائز ومع جوازه أحال المنع على ضعف الآلة لا على منع الاستحالة أليس لو كان السؤال (أَرِنِي أَنْظُرْ) [الأعراف :
١٤٣] ، إلى وجهك أو إلى شخصك وصورتك لم يكن الجواب بقوله : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] بل لست بذي شخص وصورة ووجه ومقابلة فدل أن السؤال كان بأمر جائز فتحقق الجواز ، وإن قيل لن للتأبيد فهو محال من وجهين أحدهما : أن لن للتأكيد لا للتأبيد أليس قال : (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) [الكهف : ٧٢] ، وهو جائز غير محال والثاني : أنه وإن كان للتأبيد فليس يدل على منع الجواز بل يدل على منع وقوع الجائز وإنما استدللنا بالآية لإثبات الجواز وتأبيد لن لا ينافيه.
فإن قيل سأل الرؤية لقومه لا لنفسه وإنما سألها إلزاما عليهم بقول الله سبحانه : (لَنْ تَرانِي) [الأعراف : ١٤٣] ، حيث قالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [النساء : ١٥٣].
__________________
(١) انظر : الملل والنحل للمصنف (١ / ١٠٠) ، والغنية في أصول الدين للحاكم للنيسابوري (ص ١٤٤).