والعقاب خصوصا على أصل المعتزلة فإن التكليف والأمر والإيجاب من الله تعالى مجاز في العقل إذ لا يرجع إلى ذاته صفة يكون بها آمرا مكلفا بل هو عالم قادر فاعل للأمر كما هو فاعل الخلق والعقل إنما يعرفه على هذه الصفة ويستحيل أن يعرفه أنه يقتضي ويطلب منه شيئا ويأمر وينهى بشيء فغاية العقل أن يعرفه على صفة يستحيل عليه الاتصاف بالأمر والنهي فكيف يعرفه على صفة يريد منه طاعة يستحق عليها ثوابا ولا يريد منه معصية يستحق عليها عقابا ولا طاعة ولا معصية إذ لا أمر ولا نهي إذ لم يبعث بعد نبيا فيخلق لأجله كلاما في شجرة فيسمعه ولو خلق لنفسه كلاما فهو مسموع كل الحد ولا له في ذاته كلام يمكن أن يستدل عليه كسائر صفات ذاته بل أمره ونهيه من صفات فعله بشرط أن لا يدل أمره المفعول المصنوع على صفة في ذاته فهو مدلول أمره ونهيه إذ خلق في شجرة افعل لا تفعل لا يدل ذلك على صفة غير كونه عالما قادرا فليعرف من ذلك أن من نفى الأمر الأزلي لم يمكنه إثبات التكليف على العبد ولا أمكنه إثبات حكم في أفعال العباد من حسن أو قبح ويؤدي ذلك إلى نفي الأحكام الشرعية المستندة إلى قول من ثبت صدقه بالمعجزة فضلا عن العقلية المتعارضة المستندة إلى عادات الناس المختلفة بالإضافة والنسب وكثيرا ما نقول من نفى قول الله فقد نفى الفعل فصار من أوحش الجبرية أعني أثبت جبرا على الله تعالى وجبرا على العبد من نفى إكساب العباد فقد نفى قول الله صار من أوحش القدرية أعنى قدرا على الله وقدرا على العبد والقدرية جبرية من حيث نفي الكلام والقول والأمر والجبرية قدرية من حيث نفي الفعل والكسب والمأمور به فليتنبه لهذه الدقيقة.
وأما ما ذكروه من جواز التنازع بين مختلفين في مسألة عقلية وإنكار أحدهما على صاحبه واستقباح مذهبه مسلم ولكن النزاع في أمر وراءه وهو أنه هل يجب على المتنازعين الشروع في تلك المسألة وجوبا يستحق به ثوابا وإذا حصل على علم فهل يستحق به ثواب الأبد وإذا حصل على جهل فهل يصير به مستحقا لعقاب الأبد فما دليلكم على نفس المتنازع وقد عرفتم أن الأمر فيه غيب والإذن فيه من المالك غير موجود وفي التصرف خطر ومن المعلوم أن من خاض لجة البحر ليطلب درة وهو غير حاذق الصنعة كان على خطر الهلاك وربما يصير ملوما من جهة مالكه إن كان عبدا أو مغرما من جهة صاحب المال إن كان شريكا ثم الاستقباح والاستحسان والإنكار والإقرار متعارضان عند الخصمين فإن كل واحد منهما يستحسن ما يستقبحه صاحبه بناء على إنكاره وقل ما يتفق ارتفاع النزاع بينهما إلا بقاض يكون حكمه في الأمر وراء حكمهما وعقله أرجح من عقلهما يتحاكمان إليه وذلك هو الذي ينفي الحسن