أن الغرض الذي عينتموه لم يحصل إذا قدرتم خلق العالم في الأقل من العقلاء وإن لم يقرر ذلك لم يحصل في الأكثر والغرض إذا كان معلقا على اختيار الغير لم يصف عن شوائب الخلاف فلا يحصل على الإطلاق ، ثم لو خلقهم ولم يكلفهم لا عقلا ولا سمعا وفوض الأمر إليهم ليفعلوا ما أرادوا يتضرر بذلك أم يلحقه نقص أو يثلم جلاله فعل أو ليست الطيور في الهواء والسوائم في الفلاة تغدو وتروح من غير تكليف فما السر في تخصيص بني آدم بالتكليف ولم ينتفع به ولا يتضرر بضده.
قالوا : ليأتي المكلف بما أمر به فيثيبه عليه ويعوضه عما فات عليه ويكون التذاذ المكلف بالثواب والعوض المرتبين على فعله أكثر من التذاذه بنفس التفضل والكرم.
قيل يا لله!! : العجب من حكمة ما أشرفها ، ومن سر ما أدقه تعبت عقولكم من شدة التعمق في استخراج المعاني فقد عادت حكمة الله تعالى في خلق السموات والأرض بما فيها إلى أن يكون التذاذ المكلف بثواب يناله على عمله أكثر من التذاذه بتفضل يناله من غير عمل إنا إذا فحصنا عن الأغراض كان الغرض من خلق العالم هو الاستدلال وكان الغرض من الاستدلال حصول المعرفة وكان الغرض من حصول المعرفة وجوب الثواب وكان الغرض من الثواب حصول التفرقة بين لذتي المقابلة والعطية فغرض الأغراض من خلق العالم بما فيه من الجواهر والأعراض ما لا يجوز أن يكون غرضا لعاقل ولا يقدر الخالق على أن يخلق لذة في التفضل أكثر مما يخلقها في الثواب واللذات كلها مخلوقة لله تعالى أولا ينادي المكلف يا رب مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى عندي من عملي يا من لا تنفعه المغفرة ولا تضره المعصية اغفر لي ما لا يضرك وأعطني ما لا ينفعك حتى يكون ابتهاجي برحمتك ومغفرتك ألطف من التذاذي بمعرفتي وطاعتي أو لا يعد من غاية اللؤم وركاكة الهمة أن يهدي فقير هدية حقيرة إلى ملك كبير سجيته البذل والعطايا من غير سؤال وعرض هدية لنيل ثواب ، ثم يوجب عليه العوض ويقول التذاذي بما يقابل هديتي أكثر من عطاياك التي لا تحصى انظر كيف عادت الحكمة الإلهية في خلق العالم بأسره عند القوم إلى أخس الدرجات في الهمة وأمس الحاجات إلى المرمة بحيث لا يرتضيه عاقل لإرمام بيته الكثيف ، فكيف يرتضيه الفاطر لإحكام صنعه اللطيف فتعالى وتقدس.
وأما الآيات في مثل قوله تعالى : (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [الجاثية : ٢٢] ، فهي لام المآل وصيرورة الأمر وصيرورة العاقبة لا لام التعليل كما قال تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] ،