والتفضل هو اتصال منفعة خاصة إلى الغير من غير استحقاق يستحق بذلك حمدا وثناء ومدحا وتعظيما ووصف بأنه محسن مجمل وإن لم يفعله لم يستوجب بذلك ملاما وذما وليس للمعتزلة فيما ذكروه مستند عقلي ولا مستروح شرعي إلا مجرد اعتبار العادة في الشاهد وتشنيعا معقولا ثم اعتبار الغائب بالشاهد وهم في الحقيقة مشبهة في الأفعال.
فألزمت الأشعرية عليهم إلزامات :
منها قولهم : إذا أوجبتم على الله تعالى رعاية الصلاح والأصلح في أفعاله فيجب أن توجبوا علينا رعاية الصلاح والأصلح في أفعالنا حتى يصح اعتبار الغائب بالشاهد ولم يجب علينا رعايتهما بالاتفاق إلا بقدر ما والتعرض للنصب والتعب. والنصب لو كان فاصلا بين الشاهد والغائب لكان فاصلا في أصل الصلاح.
ومنها : أن القربات من النوافل صلاح فليجب وجوب الفرائض.
ومنها : القضاء بأن خلود أهل النار في النار يجب أن يكون صلاحا لهم وقولهم بأنهم لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه لا يغني فإن الله تعالى لو أماتهم أو سلب عقولهم وقطع عقابهم كان أصلح لهم ولو غفر لهم ورحمهم وأخرجهم من النار إذ لم يتضرر بكفرهم وعصيانهم كان أصلح لهم.
ومنها : أن كل ما فعله الرب تعالى من الصلاح لو كان حتما عليه لما استوجب بفعل ما شكرا أو حمدا فإنه في فعله قضى ما وجب عليه وما استوجب عبد بطاعته ثوابا وتفضيلا فإنه في طاعته قضى ما وجب عليه ومن قضى دينه لم يستوجب شيئا آخر.
ومنها قولهم : نحن فرضنا الكلام في إنظار إبليس وإمهاله أكان صلاحا له وللخلق أم كان فسادا وفي إماتة النبي صلىاللهعليهوسلم هل كان صلاحا له وللخلق أم كان فسادا فإن كان تبقية إبليس صلاحا مع إضلاله الخلق فهلا كان تبقية النبي صلىاللهعليهوسلم صلاحا مع هدايته للخلق وكيف صار الأمر بالضد من ذلك.
ومنها قولكم : إنكم حسبتم التكليف لتعريض المكلف للثواب الدائم وإذا علم الرب أنه لو اخترم العبد قبل البلوغ وكمال العقل لكان ناجيا ولو أمهله وسهل له النظر لعند وكفر وجحد فكيف يستقيم أن يقال أراد به الصلاح والأصلح ومن المعلوم أن المقصود من التكليف عند القوم الصلاح والتعريض لا معنى الدرجات التي لا تنال إلا بالأعمال فيجب أن يكون الرب مسيئا للنظر لمن خلقه وأكمل عقله وكلفه مع العلم بأنه يهلك ويخسر ولزم من حيث الحكمة أن يكون علمه مانعا له عن إرادته والتعريض لمن هذه حاله بالنفع والثواب وفي العادة كل من عرف من حال ولده أنه لو سافر واتجر في مال يعطيه لهلك وخسر لا يحسن من حيث العقل أن يبعثه لأجل