التجارة ويعطيه المال لأجل الخسارة ولو علم من ولده أنه لو أعطاه سيفا وسلاحا ليقاتل عدوا من أعدائه لقتل نفسه ويبقى السلاح لعدوه لم يكن من الحكمة أن يعطيه السلاح ويبعثه للقاء عدوه البتة بل لو فعل ذلك كان ساعيا في هلاك ولده.
ومن مذهبهم أن الرب تعالى لو علم أنه لو أرسل رسولا إلى خلقه وكلفه الأداء عنه مع علمه بأنه لا يؤدي فإن علمه به يصرفه عن إرادته الأداء عنه فكذلك لو علم أنه يكفر ويهلك وجب أن يصرفه عن إرادته الأداء عنه مع علمه بأنه لا يؤدي فإن علمه به يصرفه عن إرادته الخير والصلاح له وهذا بمثابة من أولى حبلا إلى عريق ليخلص به نفسه مع العلم بأنه يخنق نفسه فقد أساء النظر له بل قصد به هلاكه.
ومن مذهبهم أن الرب إذا علم أن في تكليفه عبدا من العباد فساد الجماعة فإنه يقبح تكليفه لأنه استفساد لمن يعلم أنه يكفر عند تكليفه.
ومن الإلزامات أن القوم قضوا بأن الرب تعالى قادر على التفضل بمثل الثواب فأي غرض في تعريض العباد للبلوى والمشاق.
قالوا : الغرض فيه أن استيفاء المستحق أهنأ وألذ من قبول التفضل وهذا كلام من لم يعرف الله حق معرفته وكيف يستنكف العبد وهو مخلوق مربوب من قبول فضل الله تعالى فلو خلق الخلق وأسكنهم الجنة كان حسنا منه ولو خلقهم في الدنيا ثم أماتهم من غير تكليف كان حسنا (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [الأعراف : ٥٤] ، أليس لو خلقهم وكلفهم وقطع عنهم الألطاف كانوا أبلغ في الاجتهاد وأحمل للمشاق فكان الثواب لهم أكثر والالتذاذ بما يستحقونه من العوض أشد فهلا تقطع عنهم الألطاف بأسرها لتكون اللذة في الثواب أوفر.
ثم نلزمهم فرض الكلام في طفلين أحدهما اخترمه قبل البلوغ لعلمه بأنه لو بلغ لكفر فصار الصلاح في حقه الاخترام حتى لا يستوجب عقاب النار والأخر أوصله إلى البلوغ والتكليف فكفر فيقول يا رب هلا اخترمتني قبل البلوغ كما اخترمت أخي حتى لا يتوجه عليّ تكليف يوجب عقاب الأبد وطفلين آخرين اخترم أحدهما قبل البلوغ وهو ابن كافر وقد علم أنه لو بلغ لآمن وأصلح والآخر أوصله إلى البلوغ ، وهو ابن مسلم فكفر وأفسد فيقول : هلا اخترمتني حتى لا أستوجب عقاب الأبد ، وبالجملة من أوجب رعاية الصلاح والأصلح يوجب اخترام الأطفال الذين علم الله تعالى منهم الكفر بعد البلوغ حتى لا يوجد كافر في العالم وإبقاء الأطفال الذين علم الله تعالى منهم الإيمان حتى لا يتحقق إلا الإيمان والمؤمن في العالم والصلاح يدور على المعلوم كيف كان ثم ما من أصلح إلا وفوقه أصلح ، والاقتصار على مرتبة واحدة كالاقتصار