بوجود العقل التام والعقل إنما يدرك إذا وجد دليل الصدق فكما لا يتراخى الوجوب عن وقت التكليف لا يتراخى أيضا دليل الصدق عن نفس الدعوى فليبحث هاهنا كل البحث أن الدليل المقرون بالخبر والدعوى ما ذا بحيث لا يلزم إفحام ولا ينفع إحجام وأما سائر الأخبار السمعية فإذا ثبت صدق النبي وجب الإيمان بذلك والسمع والطاعة له فإن عرفنا له وجها بالدليل العقلي فبصيرة وخيرة وإن لم نعرف له وجها فتسليم وتصديق وما يستحيل في العقل وكان بين الاستحالة يعرف وجه استحالته ونعلم أن الصادق الأمين لا يقرر المستحيل فيطلب لكلامه محملا صحيحا فإذا وجدناه فخيرة وإلا آمنا وصدقنا بالظاهر ووكلنا علم الباطن إلى الله تعالى ورسوله.
فمن ذلك حشر الأجسام وبعث من في القبور من الأشخاص فاعلم أنه لم يرد في شريعة ما من الدلائل أكثر مما ورد في شرعنا من حشر الأجسام وكأن الزمان لما كان مقرونا بالقيامة كانت الآية أصرح بها والبينات أدل عليها ومفارقة الأرواح للأجساد وبقاء الأرواح قد اعترف به الحكماء الإلهيون وحشر الأجساد لما كان ممكنا في ذاته وقد ورد به الصادق وجب التصديق بذلك من غير أن يبحث عن كيفية ذلك إذ الرب تعالى قادر على الإعادة وقدرته على الإنشاء والابتداء فيحيي العظام وهي رميم كما أنشأها أول مرة وكما يحيي الأرض بعد موتها كل ربيع كذلك يحيي الموتى ودليل من رام إثباته على طريق الحكمة هو أن النفوس الجزئية إذا فارقت الأبدان ولم تستقر في تصوراتها عن آلات جسمانية احتاجت إلى الأبدان ضرورة وإلا كانت معذبة فإن سعادتها في تصوراتها إنما تكون بآلاتها والآلات إنما تتحقق إذا عادت بسعيها كما كانت فمن قال بحشر الأجسام وفى بقضية الحكمة إذ وفر على كل نفس حظها من كمالها اللائق بها وإعطائها جزاءها على مقدار سعيها ومن نفى ذلك قضى بالحشر على نفس أو نفسين في كل عصر قد تجردت عن المواد الجسمانية وقضى بالتعذيب على كل نفس في العالم وذلك يناقض الحكمة وأيضا فإن الترتيب بين كل نفس ونفس حاصل في الدنيا وإذا فارقت النفس البدن فإما أن يزول الترتيب حتى يستوي الحال بين من حصل لنفسه علوما كثيرة وبين من اشتمل على جهالات كثيرة وإما أن يثبت الترتيب وليس في ذلك العالم جنة ولا نار عندهم فيحصل لهم بذلك لذة أو ألم إذ لا نعمة ثم معدة لأهل السعادة ولا عذاب مدخر لأهل الشقاوة وإنما اللذة والألم والنعمة والعذاب تنشأ من كل نفس أو لازم كل نفس بحسب ما استعدت له من العلم والجهل إلى تناقضات كثيرة أوردنا لذكرها رسالة في المعاد.
وأما سؤال القبر وعذابه فقد ورد بهما الخبر الصحيح في كم موضع حتى بلغ