الاستفاضة وهو حق وأما وجه ذلك على الطريقة المرضية ليس ذلك للروح المجرد خاصة ولا للبدن على هذه الهيئة المشاهدة حتى يلزم عليه ما يناقض الحس ولو كان الخطاب أعني خطاب الملكين خطابا بالاعتقاد المجرد لكان التزام الاعتقاد على الروح المجرد ولو كان الخطاب بالاعتقاد دون القول والعمل جميعا لكان يشترط فيه حشر الجسد على الصورة المخصوصة لكنه خطاب يقتضي عقدا وجوابا من حيث القول من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فلو كان الرجل حيا وتوجه عليه هذا الخطاب استدعى منه فهما للخطاب وجوابا والأجزاء الفاهمة من الإنسان والناطقة أجزاء مخصوصة وتلك الأجزاء مستقلة بالجواب وإن كان الشخص من حيث هو شخص غير مستشعر بذلك كالنائم مثلا أو كالسكران فيجوز أن يحيى الله تعالى تلك الأجزاء ويكون السؤال متوجها عليها من حيث إنها فاهمة وناطقة ثم يكون الحشر بعده للشخص بصورته إذ السؤال متوجه عليه حتى يخرج عن عهدة العقد والقول والعمل.
وأما الميزان فقد ورد الكتاب العزيز به في قوله تعالى (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) [الأنبياء : ٤٧] ، وقد قيل إن الموزون به جسم إما كاغد مكتوب عليه خيرات العباد وشرورهم ثم يخلق الله فيه ثقلا أو خفة فيترجح به الميزان والأحرى أن يقال إن لكل شيء في العالم ميزان لائق بوجود ذلك الشيء فميزان ما يقبل الثقل والخفة المعيار والميزان المعهود وميزان المكيلات الكيل والمذروعات الذرع والمسافات الفراسخ والأميال والمعدودات العدد وميزان الأعمال والأقوال ما يكون لائقا بها والله أعلم بما أراد.
وأما الحوض والشفاعة فالحوض يجري على ظاهره وهو كالأنهار التي تكون في الجنة من شرب منه شربة في القيامة لم يظمأ بعدها أبدا.
وأما الشفاعة فقد قالت المعتزلة إنها للمطيعين من المؤمنين بناء على مذهبهم أن الفاسق إذا خرج من الدنيا من غير توبة خلد في النار لأنه قد استوجب النار بفسقه ومن دخل النار كان مغضوبا عليه ومن كان مغضوبا عليه لا يدخل الجنة وأيضا فإنه في حال الفسق ما استحق اسم الإيمان لأن الإيمان عبارة عن خصال محمودة يستوجب المؤمن بها المدح والثناء والفاسق لا يستوجب المدح وقد أخلى أركان إيمانه بخروجه عن الطاعة واستدلوا على ذلك بآيات من الكتاب منها قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) [النساء : ١٤] ، وقوله تعالى :