أخشن فبايعته وبايعه الناس القصة المشهورة ولما قرب وفاة أبي بكر رضي الله عنه فقال تشاوروا في هذا الأمر ثم وصف عمر بصفاته وعهد إليه واستقر الأمر عليه وما دار في قلبه ولا في قلب أحد أن يجوز خلو الأرض عن إمام ولما قربت وفاة عمر رضي الله عنه جعل الأمر شورى بين ستة وكان الاتفاق على عثمان رضي الله عنه وبعد ذلك كان الاتفاق على علي رضي الله عنه فدل ذلك كله على أن الصحابة رضوان الله عليهم وهم الصدر الأول كانوا على بكرة أبيهم متفقين على أنه لا بدّ من إمام ويدل على ذلك إجماعهم على التوقف في الأحكام عند موت الإمام إلى أن يقوم إمام آخر ومن ذلك الزمان إلى زماننا كان الإمامة على المنهاج الأول عصرا بعد عصر من إمام إلى إمام إما بإجماع من الأمة أو بعهد ووصية وإما بهما جميعا ، فذلك الإجماع على هذا الوجه دليل قاطع على وجوب الإمامة هذا كلامنا في وجوب الإمامة على الإطلاق.
أما القول في تعيين الإمام هل هو ثابت بالنص أم بالإجماع فالقائلون اختلفوا في أن النص ورد على شخص بعينه أم ورد بذكر صفته فالقائلون بالإجماع اختلفوا في أن إجماع الأمة عن بكرة أبيهم شرط في ثبوت الإمامة أم يكتفي بجماعة من أهل الحل والعقد وقد ذكرت مذاهبهم في الكتب.
قال أهل السنة القائلون الإجماع الدليل على عدم النص على إمام بعينه هو أنه لو ورد نص على إمام بعينه لكانت الأمة بأسرهم مكلفين بطاعته ولا سبيل لهم إلى العلم بعينه بأدلة العقول والخبر لو كان متواترا لكان كل مكلف يجد من نفسه العلم بوجوب الطاعة له وإلا لزمه دينا كما لزمه الصلوات الخمس دينا ولما جازوا إلى غيره بيعة وإجماع.
ومن المحال من حيث العادة أن يسمع الجم الغفير كلاما من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم لا ينقلونه في مظنة الحاجة وعصيان الأمة بمخالفته والدواعي بالضرورة تتوفر على النقل خصوصا وهم في نأنأة الإسلام وطراوة الدين وصفوة القلوب وخلوص العقائد عن الضغائن والأحقاد والتآلف المذكور في الكتاب العزيز (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران : ١٠٣] ، وإذا كانت الدواعي على النقل موجودة والصوارف عنه مفقودة ولم ينقل دل على أنه لم يكن في الباب نص أصلا وأيضا لو عين شخصا لكان يجب على ذلك الشخص المعين أن يتحدى بالإمامة ويخاصم عليها ويخوض فيها حتى إذا دفع عن حقه سكت ولزم بيته فيظهر الظالم عليه ولم ينقل أن أحدا تصدى للإمامة وادعاها نصا عليه وتسليما إليه.
قالت النجدات من الخوارج وجماعة من القدرية مثل أبي بكر الأصم وهشام