فإن قيل عمر رضي الله عنه كان يجوز الإمامة لغير قريش بل لموالي حين قال لو كان سالم مولى حذيفة حيا لما تخالجني فيه شك وأيضا فإنكم ادعيتم أن لا نص في الإمامة وقد ثبت نص في تخصيص قريش بأن قال الأئمة من قريش فما جوابكم عمن يقول إذا ثبت نص في تخصيص قريش عن كل المسلمين فيجوز أن يثبت نص في تخصيص بني هاشم من قريش وأيضا فإنكم ادعيتم في الأول إحالة ثبوت النص وربطتم في الشريعة فقد ربطتم الإمام بالنص فهلا ادعيتم النص على أبي بكر ولم عقدتم بابا في إبطال النص وإثبات الاختيار.
قيل أما الأول فلأن عمر سلم لأبي بكر ذلك الخبر الذي رواه ولم يظهر منه أنه كان يجوز الإمامة لغير قريش وأما سالم فقد قيل إنه كان ينسب إلى قريش فلذلك قال ما تخالجني شك لما شهد النبي صلىاللهعليهوسلم بحسن سيرته وأمانته.
وأما النص الخفي الذي يتضمنه الإجماع فهو لعمري لازم جدا فإن الإمامة إذا لم تثبت إلا بالإجماع والإجماع لا يثبت إلا بالنص فلم يثبت الإمام إلا بالنص.
والجواب أن النص الضمني في الإجماع ربما يكون نصا في الإمامة وربما يكون نصا في أن الإجماع حجة فتردد الأمران بين هذين المحتملين فلم يمكنا دعوى النص على أبي بكر وذلك النص ربما لا يكون نصا ظاهرا لكن قرينة الحال عند القوم وهم شهود الحضرة ربما أورثتهم قطعا فتنزل غير الظاهر عندهم كالظاهر وحصل لهم القطع بذلك واعلم أن الإجماع إنما كان حجة لأن المجمعين لمجموعهم معصومون عن الخطأ والكفر والضلالة وإن كان ذلك جائزا في آحادهم فمجموع هذه الأمة في العصمة نازل منزلة شخص واحد في العصمة ويجوز أن يثبت حكم لمجموع من حيث هو جملة مجموعة ولا يثبت لواحد منهم بخبر المتواتر فإن العلم يحصل بمجموعه وإن لم يحصل بآحاده وكالسكر الحاصل من الأقداح والشبع الحاصل من اللقم وغير ذلك وعليه حمل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة : ١١٩] ، وقوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١١٥].
وأما الجواب عن المعضلة التي أوردوها نقول لا يمكن أن يقال إن النبي صلىاللهعليهوسلم ما كان يعرف من يجلس للإمامة بعده وينوب منابه فإن كان يخبر أصحابه بما سيكون بعده إلى يوم القيامة من الفتن والبلايا وخروج الدجال ولقد قال صلىاللهعليهوسلم «زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» وكان يخبر أصحابه العشرة بما يفعله كل واحد يجري عليه من القدر وأخبر عليا رضي الله عنه إنك تقاتل الناكثين والقاسطين