على ما ذكرناه من عقد البيعة لرجلين في صقعين أو إقليمين فإنه إذا خلع نفسه أو أحدث أحداثا يستحق بها الخلع أينخلع أم يستوجب ذلك كله من مظان الاجتهاد وليراجع الكتب المصنفة في الكلام فإني لم أشترط على نفسي في هذا الكتاب نقل ما ذكر في الكلام وإنما شرطت حل المشكلات من المعقولات وبيان منتهى أقدام أهل الأصول في مراتب العقول دون المنقول.
وأما كرامات الأولياء فجائز عقلا ووارد سمعا ومن أعظم كرامات الله تعالى على عباده تيسير أسباب الخير لهم وتعسير أسباب الشر عليهم وحيثما كان التيسير أشد وإلى الخير أقرب كانت الكرامة أوفر وما ينقل عن بعضهم من خوارق العادات وصح النقل وجب التصديق ولا يجوز الإنكار عليه أليس قد ورد في القرآن قصة عرش بلقيس وقول ذلك الولي (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) [النمل: ٤٠] ، أو لم تكن قصة أم موسى ومريم أم عيسى عليهالسلام وما ظهر لهما من الخوارق من إلقاء موسى في اليم كرامة لها ورزق الشتاء في الصيف ورزق الصيف في الشتاء وظهور النخلة في الصحراء من أعظم الكرامات لمريم عليهاالسلام وما ينقل عن الصالحين هذه الأمة أكثر من أن يحصى وهي بآحادها إن لم تفدنا علما بوقوعها فهي بمجموعها أفادتنا علما قطعيا ويقينا صادقا بأن خوارق العادات قد ظهرت على أيدي أصحاب الكرامات.
واعلم أن كل كرامة تظهر على يد ولي فهي بعينها معجزة لنبي إذا كان الولي في معاملاته تابعا لذلك النبي وكل ما يظهر في حقه فهو دليل على صدق أستاذه وصاحب شريعته فلا تكون الكرامة قط قادحة في المعجزات بل هي مؤيدة لها دالة عليها راجعة عنها وعائدة إليها وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «كائن في أمتي ما كان في الزمان الأول حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» وقال عليهالسلام : «إن في أمتي مثل إبراهيم الخليل ومن مثله مثل موسى» وفي الآية (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) [الزخرف : ٥٧] ، إشارة إلى هذا المعنى ولما كانت شريعته أكمل الشرائع ودينه أكمل الأديان كما قال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣] ، وجب أن يكون المتحلي بهذا الدين والشريعة أشرف وأكرم ممن تحلى بشريعة أخرى إذا الشرائع والأديان جلابيب النفوس والأرواح وبقدر