التحلي بها والثبات فيها والإقبال عليها ينال الشرف والكرامة قال الله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [الأنفال : ٢٩] ، وليت شعري أي كرامة تزيد على نيل الفرقان بين الحق والباطل وسبيل النجاة والهلاك وفي الخبر «لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا» وأي كرامة أجل من حصول المحبة بثمراتها المذكورة وفي الخبر لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس معه جهل ولو عرفتم الله حق معرفته لزالت الجبال بدعائكم وما أوتي أحد من اليقين إلا وما لم يؤت منه أكثر مما أوتي.
قيل بلغنا أن عيسى عليهالسلام كان يمشي على الماء قال صلىاللهعليهوسلم : «لو ازداد يقينا لمشى على الهواء».
ومما يتصل بهذا الموضع الكلام في النسخ وإن هذه الشريعة ناسخة للشرائع كلها وهي أتمها وأكملها وأن محمد المصطفى صلىاللهعليهوسلم خاتم الأنبياء وبه نختم الكتاب.
قال بعض العلماء النسخ رفع الحكم بعد ثبوته وقال بعضهم النسخ تبيين انتهاء مدة الحكم وكأنه تخصيص بزمان وهو بظاهره كان شاملا لكل زمان وبالنسخ يتبين أنه لم يشمل الأوقات كلها وقالت اليهود النسخ رفع تكليف بعد توجهه على العباد وذلك لا يجوز في حق الباري تعالى فإنه يؤدي ذلك إلى البداء والندم على ما قال ولو أن واحدا منا أمر غلامه على كل حال أن يفعل فعلا ثم منعه من ذلك أما في الحال أو في ثاني الحال دل ذلك على أنه بدا له ذلك أي ظهر له أمر بخلاف ما تصور في الأول أو ندم بالقلب على تكليفه الأول وهاتان القضيتان مستحيلتان في حق من لا تخفى عليه ذرة في الأرض ولا في السماء ومن له الملك والتصرف في عباده بما يشاء.
يقال لهم المستحيل على نوعين مستحيل لعينه كاجتماع السواد والبياض في محل واحد في حالة واحدة ولا شك أن رفع التكليف وحكم التكليف بعد ثبوته ليس من ذلك القبيل ومستحيل لما يفضي إلى المحال كخلاف المعلوم ولا محال هاهنا يفضي إليه النسخ إلا البداء والندم والبداء يطلق على معنيين أحدهما الظهور يقال بدا له الشيء إذا ظهر (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر : ٤٧] ، وهذا لا يجوز على الله تعالى فإن المعلومات كلها ظاهرة لديه مكشوفة عنده والنسخ لا يؤدي إلى ذلك لأنه كان عالما بذلك التكليف عند توجهه على العبد وكان عالما برفعه عند النسخ فلم يظهر له أمر متجدد لم يعلمه ولا رفع الحكم لأنه ظهر له شيء آخر.