به أحدهما إن كان كافرا إنه لكما قال ، كان مسلما لقد كفر بتكفيره إياه) (١) ، فمن كان هذا اعتقاده ودينه ، فكيف يسجل المسلم أن يغتابه ، فضلا أن يكفره ويلعنه ، وهل في هذه الاعتقادات ما يجحده أحد ، أو يستمر عليه عالم أو عابد إلا ملحد دهري ، أو موهم حشوي بدعي ، نعوذ باللّه من الخذلان ، وسوء التوفيق والحرمان ، فليت شعري هذا الذي ينسب إليهم في أي كتاب وجدوه لهم؟ ومتى سمعوه منهم؟ ومن هذا الذي نقله عنهم؟ فاللّه عز وجل حسبنا وحسبهم.
فإن قيل : أنتم تقولون هذا في الظاهر ، وتعتقدون خلافه في الباطن ، يقال لهم : لا فرق بيننا وبينكم ، وليس في ذلك لبعضنا من بعض إلا الظاهر ، وليس مكتوب بين أعيننا صادق ولا كاذب. فإذا قلتم أنتم تعتقدون في الباطن بخلاف أن اللّه ثالث ثلاثة ، فليس تصديقكم فيما تدعونه ، بأولى من تصديقنا. وإذا كان النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يعلم حال المنافقين ، وحملهم على الظاهر ، حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بقوله عز وجل:(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (المنافقون : ١) لو لم يعلم الرب عز وجل بما هم عليه من الباطن، ما علم وكذلك حال بيت أمها مرضت من الهم والغم ، وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يجيء إلى البيت؟ ، ويقف على الباب ، ويقول كيف تيكم؟ ولا يقول عائشة ، لما ثقل قلبه عليها حتى نزل براءتها من السماء فإذا كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يحمل هذه الأمور على ظاهرها ، ولو لم يعلمه الرب عز وجل باطنها ، لما علم فكيف من نزلت درجته عن درجته؟ ونحن اليوم ، النبي ليس هو عندنا ، وجبريل لا ينزل علينا ، فليس لبعضنا من بعض إلا الظاهر ، والدليل عليه لو أن يهوديا أو نصرانيا جاء وأسلم ، حكم بإسلامه ولم يكن لقائل أن يقول له : أنت في الباطن بخلاف ما أظهرت من الإسلام ، فإذا كان اليهودي والنصراني الذي قد تحقق منه الكفر ، إذا أظهر الإسلام يحمل منه على الظاهر ويقبل منه ، فمن لم يتحقق منه إلا الإيمان في عمره كله أولى وأحرى أن لا يكفر بالظن.
فإن قيل : كل دين مكتوب دين مشئوم ، ولو أن ما تعتقدونه حق لأظهر تموه.
يقال لهم هذا يتعلق به من لا عقل له ولا علم ؛ فإن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما كان في دار الخيزران ومعه ذلك النفر القليل ، لا يقدرون أن يظهروا ما هم عليه من الإسلام، لا يدل ذلك أنهم على الباطل ، بل هم على الحق ، بل يدل على ضعفهم وقلتهم، وقوة أهل الباطل وكثرتهم ، وقد روي في الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : «بدأ الإسلام غريبا
__________________
(١) أخرجه البخاري ٨ / ٣٢) ، ومسلم (١ / ٧٨) ـ ح (١١١).