جهل وغفلة بالمخلوق المخترع من كل وجه كذلك يستحيل إيجاده على غفلة من وجه قال الله تعالى : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك : ١٤].
فإن قيل هذا الدليل لا يصلح لإثبات استحالة حدوث الفعل بالقدرة الحادثة فإن إحاطة العبد بالفعل من كل وجه غير مستحيل وإن لم يتفق في الصورة المذكورة وقوعا لا وجوبا فلو قدر تعلق العلم الحادث بالفعل من كل وجه وجب أن تجوزوا حصول الفعل بالقدرة الحادثة من كل وجه لأن الإحكام والإتقان فيه دل على علم الفاعل ومع ذلك لم يجز على أصلكم فدل أن الاستدلال بانتفاء العلم من كل وجه باطل وأيضا فإن القدر الذي تعلق العلم به وجب أن يكون مخلوقا للعبد وعندنا العلم بالفعل من كل وجه غير شرط بل العلم بأصل وجوده شرط كونه فاعلا وهو لم يعدم ذلك.
والجواب : إنا ما أنشأنا هذا الدليل لبيان استحالة حدوث الفعل بالقدرة الحادثة بل لنفي كون العبد خالقا لأفعاله التي يثاب ويعاقب عليها إذ لو كان خالقا لدل الإحكام في فعله على علمه لكن لم يدل فلم يكن خالقا لأنه لو كان خالقا لكان عالما بخلقه من كل وجه لكنه ليس بعالم به من كل وجه فليس بخالق.
هذا وجه دلالة هذا النظر فلا يلزمنا تقدير الإحاطة به من كل وجه فإن انتفاء العلم إذا دل على انتفاء الخالقية لم يلزم أن يدل وجود العلم على ثبوت الخالقية بل هو عكس الأدلة والدليل لا ينعكس.
ولو تصدينا لبيان الاستحالة صغنا الدليل صياغة أخرى فقلنا لو كان الفعل منتسبا إلى العبد إبداعا لوجب أن يكون في حال إبداعه عالما بجميع أحواله ويستحيل من العبد الإحاطة بجميع وجوه الفعل في حالة واحدة لأمرين أحدهما أن العلم الحادث لا يتعلق بمعلومين في حالة واحدة وذلك لجواز طريان الجهل على العالم بأحد الوجهين فيؤدي إلى أن يكون عالما جاهلا بمعلوم واحد في حالة واحدة ويكون علمه علما من وجه وجهلا من وجه.
الثاني : أن وجوه المعلومات في الفعل تنقسم إلى ما يعلم ضرورة وإلى ما يعلم نظرا فيحتاج حالة الإيجاد في تحصيل ذلك العلم إلى نظر وهو اكتساب ثان وربما يحتاج إلى معرفة الضروري والنظري من وجوه الاكتساب فيؤدي إلى التسلسل حتى لا يصل إلى إيجاد الفعل المطلوب وعن هذا المعنى صار كثير من عقلاء الفلاسفة إلى أن الإيجاد لن يحصل إلا بالعلم حتى لو تصور من الإنسان العلم بوجوه الفعل كليا وجزئيا ومحلا ومكانا وزمانا وعددا وشكلا وعرضا وكمالا لتصور منه الإيجاد والإبداع وعن هذا صاروا إلى