أن علم الباري سبحانه بذاته هو المبدئ لوجود الفعل الأول وفرقوا بين العلم الفعلي والعلم الانفعالي ، وإنما يحتاج الإنسان إلى القدرة والإرادة والدواعي والآلات والأدوات لأن علمه لن يتصور أن يكون علما فعليا بل علومه كلها انفعالية ولذلك اتفق المتكلمون بأسرهم على أن العلم يتبع المعلوم فيتعلق به على ما هو به ولا يكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة وهذا هو سر هذه الطريقة ونهايتها.
أما الطريق الثاني في بيان استحالة كون القدرة الحادثة صالحة للإيجاد.
فنقول : لو صلحت للإيجاد لصلحت لإيجاد كل موجود من الجواهر والأعراض وذلك لأن الوجود قضية واحدة تشمل الموجودات وهو من حيث إنه وجود لا يختلف فليس يفضل الجوهر العرض في الوجود من حيث إنه وجود بل من وجه آخر وهو القيام بالنفس والحجمية والتحيز والاستغناء عن المحل وعند الخصم هذه كلها صفات تابعة للحدوث وليست من آثار القدرة وأما الشيئية والعينية والجوهرية والعرضية فهي أسماء أجناس عنده ثابتة في العدم ليست أيضا من آثار القدرة فلم يبق من الصفات وجه لتعلق القدرة إلا الوجود وهو لا يختلف في الموجودات وجهة الصلاحية أيضا وفي القدرة جهة واحدة فلو صلحت لإيجاد موجود ما صلحت لإيجاد كل موجود لكنها لا تصلح لإيجاد بعض الموجودات من الجواهر وأكثر الأعراض فلم تصلح لإيجاد موجود ما.
ومما يوضحه أن الصلاحية لو اختلفت بالنسبة إلى موجود وموجود لاختلفت بالنسبة إلى قدرة وقدرة حتى يقال تصلح قدرة زيد لحركة ولا تصلح قدرة عمر ولمثل تلك الحركة بل عند الخصم لمّا شملت الحقيقة جميع قدر البشر استوت كلها في الصلاحية كذلك شملت الحقيقة الوجود جميع الموجودات فيجب أن تستوي في قبول أثر الصلاحية بل يمكن أن يقال إن الصلاحية ليست تابعة لحقيقة القدرة بل هي مختلفة بالنسب وعن هذا صلحت للإيجاد عندهم ولم تصلح للإعادة والإعادة إيجاد ثان وصلحت لتحصيل العلم ولم تصلح للغفلة عن ذلك العلم.
ومما يوضحه أن صلاحية القدرة لم تخل من أحد الأمرين إما أن تثبت عموما فيجب أن لا يختلف بالنسبة إلى موجود دون موجود كما بينا وإما أن تثبت خصوصا ولا دليل على التخصيص لبعض الموجودات دون البعض سوى جريان العادة بما ألفناه من الأفعال المنسوبة إلى العباد وسنبيّن أن ذلك على أي وجه يثبت وبالجملة فليس يصلح ذلك دليلا على حصر صلاحية القدرة فيها دون سائر الموجودات تجويزا وإمكانا.
فإن قيل : ألستم أوجبتم تعلق القدرة الحادثة ببعض الموجودات دون البعض