جوهرا أحدث في ذاته إرادة حدوثه وربما احترزوا عن لفظ أحدث فقالوا : حدثت له إرادة حدوثه وكاف ونون وإذا كان المحدث مسموعا حدث له تسمع وإذا كان مبصرا حدث له تبصر فتحدث له خمس من الصفات الحادثة بكل محدث أحدثه ، وربما احترزوا عن إطلاق لفظ الحلول والمحل ، وإن أطلقوا الاتصاف بالحادث ، وفرقوا بين المشيئة والإرادة فقالوا مشيئة قديمة وإرادة حادثة ولذلك فرقوا بين التكوين والمكون والإحداث والمحدث والخلق والمخلوق فالخلق حادث في ذاته والمخلوق مباين وكذلك التكوين عبارة عن قوله كن والقول قائم بذاته والمكون مباين وكذلك كلامه تعالى صفات تحدث له وهي عبارات منتظمة من حروف وأصوات عند بعضهم وعند بعضهم من حروف مجردة فهو حادث ليس بقديم ولا محدث وأحالوا فناء ما حدث من الصفات في ذاته ولم يطلقوا لفظ التقدم والتأخر على الحروف والكلمات واجتهد محمد بن الهيصم منهم في كل مسألة من مسائل التشبيه حتى رد الخلاف فيها إلى ما يسوغ أن يذكر ولا يسفه غير مسألة الحوادث فإنه تركها على النكال الأول بعلم صاحبه أبي عبد الله الكرام.
لنا دليل شامل يعم إبطال مذاهب المشبهة جملة وعلى كل فرقة ممن عددناهم حجة خاصة ونقض على الانفراد فنبتدئ بالأعم.
ونقول التقدر بالأشكال والصور والتغير بالحوادث والغير دليل الحدوث فلو كان الباري سبحانه متقدرا بقدر متصورا بصورة متناهيا بحد ونهاية مختصا بجهة متغيرا بصفة حادثة في ذاته لكان محدثا إذ العقل بصريحه يقضي أن الأقدار في تجويز العقل متساوية فما من قدر وشكل يقدره العقل إلا ويجوز أن يكون مخصوصا بقدر آخر واختصاصه بقدر معين وتميزه بجهة ومسافة يستدعي مخصصا ومن المعلوم الذي لا مراء فيه أن ذاتا لم تكن موصوفة بصفة ثم صارت موصوفة فقد تغيرت عما كانت عليه والتغير دليل الحدوث فإذا لم يستدل على حدوث الكائنات إلا بالتغير الطارئ عليها وبالجملة فالتغير يستدعي مغيرا خارجا من ذات المغير والمقدر يستدعي مقدرا.
فإن قيل بم تنكرون على من يقول : إن القدر الذي اختص به نهاية وحد واجب له لذاته فلا يحتاج إلى مخصص ، والمقادير التي هي في الخلق إنما احتاجت إلى مقدر لأنها جائزة وذلك لأن الجواز في الجائزات إنما يعرف بتقدير القدرة فلما كانت المقادير الخلقية مقدورة عرف جوازها واحتاج الجواز إلى مرجح فإذا لم يكن فوق الباري سبحانه قادر يقدر عليه لم تكن إضافة الجواز وإثبات الاحتجاج له ألسنا اتفقنا على أن الصفات ثمان أفهي واجبة له على هذا العدد أم جائز أن توجد صفة أخرى.