فإن قلتم : يجب الانحصار في هذا العدد كذلك نقول الاختصاص بالحد المذكور واجب له إذ لا فرق بين مقدار في الصفات عددا وبين مقدار في الذات حدا.
فإن قلتم : جائز أن توجد صفة أخرى فما الموجب للانحصار في هذا الحد والعدد فيحتاج إلى مخصص حاصر.
والجواب قلنا المقادير من حيث إنها مقادير طولا وعرضا وعمقا لا تختلف شاهدا وغائبا في تطرق الجواز العقلي إليها واستدعاء المخصص فإنا لو قدرنا مثل ذلك المقدار بعينه في الشاهد تطرق الجواز العقلي إليه واختصاصه به دون مقدار آخر يستدعي المخصص وتطرق الجواز إلى الجائزات لا يتوقف على تقدير القدرة عليها بل معرفة ذلك بينة للعقل ضرورية حتى صار كثير من العقلاء إلى أن العقل نفسه عبارة عن علوم ضرورية هي معرفة الجواز في الجائزات والاستحالة في المستحيلات والوجوب في الواجبات وتقدير القدرة عليها إنما يحتاج إليها في ترجيح أحد الجائزين على الثاني لا في تصور نفس الجواز.
وهذه نكتة قد أغفلها كثير من أصحاب الكلام وأما الصفات وانحصارها في ثمان فقد اختلف الجواب عنه بوجوه منها أنهم منعوا إطلاق لفظ العدد عليها فضلا عن الثمانية.
وقالوا قد دل الفعل بوقوعه على أن الفاعل قادر وباختصاصه ببعض الجائزات على أنه مريد وبإحكامه على أنه عالم وعلم بالضرورة أن القضايا مختلفة وورد في الشرع إطلاق العلم والقدرة والإرادة ولا مدلول سواء ما دل الفعل عليه أو ورد في الشرع إطلاقه ولهذا اقتصرنا على ذلك فلو سئل هل يجوز أن يكون له صفة أخرى اختلف الجواب عنه فقيل لا يتطرق الجواز إليه فإنا لم نثبت له الصفات بطريق التجويز العقلي بل بدليل الفعل والفعل ما دل إلا على تلك الصفات وقيل يجوز عقلا إلا أن الشرع لم يرد به فيتوقف في ذلك ولا يضرنا الاعتقاد إذا لم يرد به تكليف فينسب إلى المكلف تقصير ومنها أنهم فرقوا في الشاهد بين الصفات الذاتية التي تلتئم منها حقيقة الشيء وبين المقادير العرضية التي لا مدخل لها في تحقيق حقيقة الشيء فإن الصفات الذاتية لا تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل بل هي له من غير سبب والمقادير المختلفة تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل فإن جعلها له بسبب ومنها أنهم قالوا لو قدرنا صفة زائدة على الصفات الثمانية لم يخل الحال فيها إما أن تكون صفة مدح وكمال أو تكون صفة ذم ونقصان فإن كانت صفة كمال فعدمها في الحال نقص وقد اتصف الباري سبحانه بصفات الكمال من كل وجه وإن كان صفة نقصان فعدمها عنه واجب وإذا بطل القسمان تعين أنه لا يجوز أن