فرق بين الصفات التي هي بحيث هو وبين ذلك القائم بذاته الذي ليس بحيث هو فيثبت له جهة ما ينحاز بها عنه وقد ورد السمع بأن تلك الجهة هي جهة فوق قال الله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : ١٨] فأثبتنا الجهة عقلا وأثبتنا الفوقية سمعا واستنبطنا من النص الوارد فيه معنى ، وهو كون الفوق أشرف الجهات وأليق بكمال الصمدية ولهذا تعلقت القلوب بالسماء ورفعت الأيدي ، ودلت عليها إشارة الخرساء وإليها كان معراج سيد الأنبياء(١).
والجواب قلنا : هذه الشبهات كلها نشأت من اشتراك في لفظ القائم بالنفس ، فإن عندنا يطلق هذا اللفظ في حق الباري سبحانه بمعنى أنه مستغن عن المحل والحيز جميعا ، ويطلق على الجوهر بمعنى أنه مستغن عن المحل فقط والمستغني على الإطلاق في مقابلة المحتاج إلى المحل ، والمحتاج إلى الحيز فلننقل العبارة إلى هذه الجهة حتى يتبين أنكم جعلتم نفس النزاع دليلا متمسكين باشتراك في العبارة دون المعنى ، ونقول قدرناه مستغنيا عن المحل والحيز ، ومحتاجا إلى الحيز فيجب أن يكونا إما متجاورين أو متباينين محال تقديره ، فإن التجاور والتباين من لوازم التحيز في المتحيزات فالمستغني عن التحيز كيف يكون إما متجاورا وإما متباينا هذا كمن يقول القائمان بأنفسهما إما أن يكونا مجتمعين أو مفترقين متحركين أو ساكنين قيل الاجتماع والافتراق من لوازم التحيز والتحدد ولا حيز له سبحانه ولا حد ولا اجتماع ولا افتراق بل إذا فتش على المجاورة والمباينة لم يتحقق منه إلا نفس الاجتماع والافتراق وما جاور أو باين فقد تناهى ذاتا والمتناهي إذا اختص بمقدار استدعي مخصصا(٢).
وكذلك الجواب عن الدخول والخروج فإنا نقول : ليس بداخل في العالم ولا خارج لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات والمحدودات ولهذا لا يطلقان على الأعراض ، وهما كالاجتماع والافتراق والحركة والسكون وسائر الأعراض التي لا تختص بالأجرام التي لا حياة لها ولو قيل هو الله سبحانه داخل في العالم بمعنى العلم والقدرة وخارج عن العالم بمعنى التقدس والتنزيه كان معنى صحيحا كما ورد في التنزيل (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام : ١٨] ، وقد ورد (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] ، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٥] ،
__________________
(١) انظر : المواقف للإيجي (٣ / ٣٢ ، ٣٧).
(٢) انظر : صفات الرب للواسطي (ص ٢٠).