وقوله سبحانه : (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة : ١٨٦] ، الآية ، بل الآيات الدالة على القرب أكثر من الآيات الدالة على بعد الفوق وكما ورد (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) وورد مقرونا به وفي الأرض إله وبالجملة من تصور وجوده وجودا مكانيا طلب له جهة ما ، وانحيازا عن العالم ببينونة متناهية أو غير متناهية كما أن من تخيل وجوده زمانيا طلب له مدة وتقدما على العالم بأزمنة متناهية أو غير متناهية وكلا التخييلين باطل فهو الأول والآخر إذ ليس وجوده سبحانه زمانيا والظاهر والباطن إذ ليس وجوده مكانيا.
وأما الشك الثاني الذي أوردوه على سبيل الإلزام ، وهو الاتفاق من الكرامية والصفاتية أن الله سبحانه ذاتا وصفات والصفات قائمة بالذات وليست كل صفة بحيث الثانية بل بحيث الذات.
قيل من أثبت الصفات الأزلية قائمة بذات الباري تعالى ليس يعني بالقيام ما عنيتم ولا أطلق أنها بحيث هو كما أطلقتم بل يعني بالقيام وصف الباري سبحانه وتعالى بها والوصف من حيث هو وصف لا يقتضي أن يكون الموصوف بحيز وجهة ، ثم الحكم للوصف بأنه معنى موجود أو حال فهو بمعنى آخر وإلا فمجرد الوصف والصفة من حيث هو وصف لا يقتضي ذلك ، ثم إطلاق لفظ الحيث أيضا قد اتسع حتى يقال هذا في العرض من حيث هو موجود له حكم ومن حيث هو عرض له حكم وليس يعني بإطلاق لفظ الحيث إلا الاعتبار العقلي والوجوه العقلية والحاصل في هذا السؤال أن الألفاظ التي أوردوها كلها مشتركة ، ولفظ القائم بالذات والقائم بالغير (١) ، ولفظ الدخول والخروج ولفظ الحيث والجهة وبالجملة فليعلم أن جهات الأجسام من أحكام النهايات في الأجسام حتى لو قدر مقدر جسما غير متناه بالفعل لم يكن للجهات معنى فلا يكون فوق وتحت ويمين ويسار وقدام وخلف ، ولذلك تتحقق إليها الإشارة ولذواتها اختصاص وانفراد من جهة أخرى ، وإذا كانت الأجسام كرويّة أي مدورة فيكون تجدد الجهات على سبيل المحيط والمحاط والفوق والسفل فيها على سبيل المركز والمحيط ، فإن قدر العالم كري الشكل إما تقديرا أوجد عليه حقيقة ،
__________________
(١) انظر : شرح العقيدة الطحاوية (ص ١٨٠) ، ومقالات الإسلاميين للأشعري (ص ٣٠٧) ، والملل والنحل للمصنف (١ / ١١٢) ، ومنهاج السنة لابن تيمية (٢ / ٣٦٣ ، ٤٣٦ ، ٤٣٧) ، ومرهم العلل المضلة لليافعي (ص ٣١).