النفاة لا يمكنكم أن تتكلموا بكلمة واحدة إلا وإن تدرجوا فيها عموما وخصوصا ألستم تنفون الحال ولم تعينوا حالا بعينها هي صفة مخصوصة مشار إليها بل أطلقتم القول وعممتم النفي وأقمتم الدليل على جنس شمل أنواعا أو على نوع عمّ أشخاصا حتى استمر دليلكم ومن نفى الحال لا يمكنه إثبات التماثل في المتماثلات إجراء حكم واحد فيها جميعا فلو كانت الأشياء تتمايز بذواتها المعينة بطل التماثل وبطل الاختلاف وذلك خروج عن قضايا العقول (١).
وأما قولكم : الوجود لو كان واحدا متشابها في جميع الموجودات لزم حصول شيء في شيئين أو شيئين في شيء.
فنقول : يلزمكم في الاعتبارات والوجوه العقلية ما لزمنا في الوجود والحال فإن الوجه كالحال والحال كالوجه ولا ينكر منكر أن الوجود يعم الجوهر والعرض لا لفظا مجردا بل معنى معقولا ومن قال كل موجود إنما تمايز موجودا آخر بوجوده لم يمكنه أن يجري حكم موجود في موجود آخر حتى أن من أثبت الحدوث لجوهر معين لم يتيسر له إثبات الحدوث لجوهر آخر بذلك الدليل بعينه بل لزمه أن يفهم على كل جوهر دليلا خاصا وعلى كل عرض دليلا خاصا ولا يمكنه أن يقسم تقسيما في المعقولات أصلا لأن التقسيم إنما يتحقق بعد الاشتراك في شيء والاشتراك إنما يتصور بعد الاختصاص بشيء ومن قال هذا جسم مؤلف فقد حكم على جسم معين بالتأليف لم يلزمه جريان هذا الحكم في كل جسم ما لم يقل كل جسم مؤلف لو اقتصر على هذا أيضا لم يفض إلى العلم بأن كل جسم محدث فأخذ الجسمية عامة والتأليف عاما واستدعاء التأليف للحدوث عاما حتى لزمه الحكم بحدوث كل جسم مؤلف عاما فمن قال الأشياء تتمايز بذواتها المعينة كيف يمكنه أن يجري حكما في محكوم خاص فألزمتمونا قلب الأجناس وألزمناكم رفع الأجناس ودعوتمونا إلى المحسوس ودعوناكم إلى المعقول وأفحمتمونا بإثبات واحد في اثنين واثنين في واحد وأفحمناكم بنفي الواحد في الاثنين والدليل متعارض والدّست قائم فمن الحاكم (٢).
قال الحاكم المشرف على نهاية أقدام الفريقين أنتم معاشر النفاة أخطأتم من
__________________
(١) انظر : المواقف للإيجي (٢ / ٢٢٦ ، ٦١٥ ، ٦٢٦ ، ٦٦٦) ، والإشارات والتنبيهات لابن سينا (ص ١٨٩).
(٢) انظر : المواقف (٣ / ٦٠ ، ٦٢) ، وقال الإيجي الدست : فارسيّ معرب ، بمعنى اليد ، يطلق على التمكن في المناصب والصدارة ، وقال ابن منظور في اللسان (١ / ٧١٧) ، والدست معرب فقيل الدست الصحراء ، وهو بعيد.