وجهين من حيث رددتم العموم والخصوص إلى الألفاظ المجردة وحكمتم بأن الموجودات المختلفة تختلف بذواتها ووجودها فكلامكم هذا ينقض بعضه بعضا ويدفع آخره أوله وهذا إنكار لأخص أوصاف العقل أليس هذا الرد حكما عاما على كل عام وخاص بأنه راجع إلى اللفظ المجرد أليست الألفاظ لو رفعت من البين لم ترتفع القضايا العقلية حتى البهائم التي لا نطق لها ولا عقل لم تعدم هذه الهداية فإنها تعلم بالفطرة ما ينفعها من العشب فتأكل ثم إذا رأت عشبا آخر يماثل ذلك الأول ما اعتراها ريب في أنه مأكول كالأول فلو لا أنها تخيلت من الثاني عين الحكم الأول وهو كونه مأكولا وإلا لما أكلت وتعرف جنسها فتألف به وتعرف ضدها فتهرب منه ولقد صدق المثبتون عليكم أنكم حسمتم على أنفسكم باب الحد وشموله للمحدودات وباب النظر وتضمنه للعلم.
وأنا أقول لا بل حسمتم على العقول باب الإدراك وعلى الألسن باب الكلام فإن العقل يدرك الإنسانية كلية عامة لجميع نوع الإنسان مميزة عن الشخص المعين المشار إليه وكذلك العرضية كلية عامة لجميع أنواع الأعراض من غير أن يخطر بباله اللونية والسوادية وهذا السواد بعينه وهذا مدرك بضرورة العقل وهو مفهوم العبارة متصور في العقل لا نفس العبارة إذ العبارة تدل على معنى في الذهن محقق هو مدلول العبارة والمعبر عنه لو تبدلت العبارة عربية وعجمية وهندية ورومية لم يتبدل المعنى المدلول ثم ما من كلام تام إلا ويختص معنى عاما فوق الأعيان المشار إليها بهذا وتلك المعاني العامة من أخص أوصاف النفوس الإنسانية فمن أنكرها خرج عن حدود الإنسانية ودخل في حريم البهيميّة بل هم أضل سبيلا.
وأما الخطأ الثاني وهو رد التمييز بين الأنواع إلى الذوات المعينة وذلك من أشنع المقالات فإن الشيء إنما يتميز عن غيره بأخص وصفه.
قيل له أخص وصف نوع الشيء غير وأخص وصف الذات المشار إليها غير فن الجوهر يتميز عن العرض بالتحيز مطلقا إطلاقا نوعيا لا معينا تعيينا شخصيا والجوهر المعين إنما يمتاز عن جوهر معين بتحيز مخصوص لا بالتحيز المطلق وقط لا يمتاز جوهر معين عن عرض معين بتحيز مخصوص إذ الجنس لا يميز الوصف عن الموصوف والعرض عن الجوهر والعقل إنما يميز بمطلق التحيز فعرف أن الذوات إنما تتمايز بعضها عن بعض تمايزا جنسيا نوعيا لا بأعم صفاتها كالوجود بل بأخص أوصافها بشرط أن تكون كلية عامة ولو أن الجوهر مائز العرض بوجوده كما مائزه بتحيزه لحكم على العرض بأنه متحيز وعلى الجوهر بأنه محتاج إلى التحيز لأن الوجود