نفس المقدر فإن المقدر لو قدر عدمه لم ينعدم الإمكان فيتعين أنه في شيء ما خارج عن الذهن ولا يخلو إما أن يكون موجودا أو معدوما ومحال أن يكون معدوما فإن المعدوم قبل والمعدوم مع شيء واحد وليس الإمكان قبل هو الإمكان مع ، وإن كان موجودا فإما أن يكون قائما في موضوع ، وإما أن يكون قائما لا في موضوع فكل ما هو قائم لا في موضوع فله وجود خاص لا يجب أن يكون به مضافا وإمكان الوجود بما هو إمكان أمر مضاف لما هو إمكان له ، فهو إذا أمر في موضوع عارض لموضوع ونحن نسميه قوة الوجود والذي فيه قوة وجود الشيء والموضوع والمادة والهيولى قالوا والإمكان قد يعرى عن الوجود لأنه لو تحقق وجود كل ممكن لحصلت موجودات بغير نهاية ، فالعلم قد سبقه إمكان الوجود وقد سبقه الهيولى التي فيها الإمكان والإمكان لم يكن في الأزل فالهيولى لم تكن في الأزل فتصور وجود العالم حيث تحقق الهيولى وتحقق الهيولى حيث تحقق الإمكان ، والإمكان والوجوب لا يجتمعان (١).
وهذا دليل أفلاطن إلهي في حدوث العالم بصورته وهيولاه قال : وكما تصور وجود موجودات كلية في العقل تصور وجود موجودات كلية في الخارج عن العقل وهي حقائق مختلفة تختلف بالخواص كالعقول السماوية.
وقال أصحاب الصور : هذا البرهان صحيح في الموجودات الزمانية لكن كما لا يتحقق إمكان إلا في مادة لا تتصور مادة إلا متصورة بصورة فإنها إن كانت عرية عن الصور كلها كان لا يتحقق نحوها قصد الفاعل حتى يفيض عليها الصور إذ لا حيث لها ولا وضع ولا أين وكما أن الإمكان ليس شيئا متقوما إلا بالهيولى والهيولى ليس شيئا متقوما إلا بالصورة فيقوم الهيولى بالصورة وتقوم الصورة بواهب الصورة وليس تنفك إحداهما عن الثانية بحال أصلا.
برهان آخر : لو قدرنا الهيولى موجودة متقومة فإما أن يقال هي واحدة أو كثيرة فإن كانت واحدة ثم صارت اثنين أفبانضمام آخر إليه أم بتكثير ذلك الواحد في نفسه من غير انضمام من خارج فإن قدر الأول فهما جوهران انضم أحدهما إلى الثاني ويكون الهيولى اثنين وما تحقق فيه الاثنينية قبل القسمة إما بالانفصال إذا كانا متصلين وإما بالعدد إذا كانا مقدارين وكل ذلك صورة وإن تكثر الواحد في نفسه من غير انضمام من خارج كان حين كان واحدا لم يقبل القسمة ثم صار قابلا للقسمة فتكون
__________________
(١) انظر : الملل والنحل للمصنف (٢ / ١٨٠) ، والمواقف للإيجي (١ / ٣٦١ ، ٣٨٠) ، ومنهاج السنة لابن تيمية (١ / ٢٧٩ ، ٢٨٨).