هاجراً يضع الرجل بعض ردائه علىٰ رأسه ، وبعضه تحت قدميه ، من شدّة الرمضاء ، وظُلِّل لرسول الله بثوبٍ علىٰ شجرةِ سَمُرةٍ من الشمس ، فلمّا انصرف صلىاللهعليهوآلهوسلم من صلاته ، قام خطيباً وسط القوم (١) علىٰ أقتاب الإبل (٢) ، وأسمع الجميع ، رافعاً عقيرته ، فقال :
« ألحمد للهِ ونستعينه ونؤمن به ، ونتوكّل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيّئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضلّ (٣) ، ولا مُضلّ لمن هدىٰ ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبده ورسوله.
أمّا بعدُ : أيُّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير : أنّه لم يُعمَّر نبيٌّ إلّا مثلَ نصفِ عمر الذي قبلَه. وإنّي أُوشِك أن أُدعىٰ فأُجيب ، وإنّي مسؤول ، وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟
قالوا : نشهدُ أنّك قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ ، فجزاكَ الله خيراً.
قال : ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله ، وأنَّ محمداً عبدهُ ورسوله ، وأنَّ جنّته حقّ وناره حقّ ، وأنَّ الموت حقّ ، وأنَّ الساعة آتية لا ريبَ فيها وأنَّ الله يبعثُ من في القبور ؟
قالوا : بلىٰ نشهد بذلك. قال : أللّهمّ اشهد ، ثمّ قال : أيّها الناس ألا تسمعون ؟ قالوا : نعم.
قال : فإنّي فَرَط (٤) على الحوض ، وأنتم واردون عليّ الحوض ، وإنَّ عُرضه ما
___________________________________
(١) جاء في لفظ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد : ٩ / ١٠٦ وغيره. ( المؤلف )
(٢) ثمار القلوب : ص ٥١١ [ ص ٦٣٦ رقم ١٠٦٨ ] ، ومصادر أُخر ، كما مرّ ص ٨. ( المؤلف )
(٣) في الأصل (ضلّ ) والصحيح ما أثبتناه ، وقد أشار المصنّف في هامش ص ٨٨ إلىٰ هذا الخطأ الموجود في النسخ.
(٤) الفَرَط : المتقدم قومه إلى الماء ، ويستوي فيه الواحد والجمع.