فدخلت علىٰ معاوية وهو جالسٌ علىٰ نَطعٍ من الأَدَم متّكئاً علىٰ وسادتين خضراوين ، وعن يمينه عمرو بن العاص ، وحَوْشب ، وذو الكلاع (١) ، وعن شماله أخوه عتبة المتوفّىٰ ( ٤٣ ، ٤٤ ) وابن عامر بن كريز عبد الله المتوفّىٰ ( ٥٧ ، ٥٨ ) والوليد ابن عقبة الفاسق بنصِّ القرآن ، وعبد الرحمن بن خالد المتوفّىٰ ( ٤٧ ) ، وشرحبيل بن السمط المتوفّىٰ ( ٤٠ ، ٤١ ) ، وبين يديه أبو هريرة ، وأبو الدرداء (٢) والنعمان بن بشير المتوفّىٰ ( ٦٥ ) ، وأبو أمامة الباهلي صُدَيّ المتوفّىٰ ( ٨١ ) فلمّا قرأ الكتاب قال : إنَّ عليّاً لا يدفع إلينا قتلة عثمان.
قال الأصبغ : فقلت له : يا معاوية لا تعتلَّ بدم عثمان ، فإنّك تطلب الملك والسلطان ، ولو كُنتَ أردتَ نصره حيّاً لنصرته ، ولكنّك تربّصت به ؛ لتجعل ذلك سبباً إلىٰ وصول الملك. فغضب من كلامي ، فأردت أن يزيد غضبه ، فقلت لأبي هريرة :
يا صاحب رسول الله إنّي أُحلّفك بالذي لا إلٰه إلّا هو عالم الغيب والشهادة ، وبحقِّ حبيبه المصطفىٰ ـ عليه وآله السلام ـ إلّا أخبرتَني أشهدتَ يوم غدير خُمّ ؟
قال : بلىٰ شهدتُه. قلت : فما سمعته يقول في عليّ ؟
قال : سمعته يقول : « من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ، أللّهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصُر من نصره ، واخذُل من خَذَله ».
فقلت له : فإذاً أنت ـ يا أبا هريرة ـ واليتَ عدوَّه ، وعاديت وليَّه.
فتنفّس أبو هريرة الصعداء ، وقال : إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
رواه الحنفيّ في مناقبه (٣) ( ص ١٣٠ ) ، وسبط ابن الجوزي في تذكرته (٤) ( ص ٤٨ ).
___________________________________
(١) حَوْشب الحميري وذو الكلاع كانا مع معاوية في حرب صفّين وقُتلا بها. ( المؤلف )
(٢) عويمر الأنصاري : قال ابن عبد البَرّ في الاستيعاب في الكنىٰ [ القسم الثالث / ١٢٢٩ رقم ٢٠٠٦ ] : قال أهل الأخبار : إنَّه تُوفّي بعد صفّين. ( المؤلف )
(٣) مناقب الخوارزمي : ص ٢٠٥ ح ٢٤٠.
(٤) تذكرة الخواص : ص ٨٥.