وهذا الحاكم النيسابوري يقول في المستدرك (١) ( ١ / ٢ ) : لم يحكما ـ يعني البخاري ومسلم ـ ولا واحدٌ منهما بأنّه لم يصحّ من الحديث غير ما أخرجاه ، وقد نبغ في عصرنا هذا جماعةٌ من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأنّ جميع ما يصحّ عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث ، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة علىٰ ألف جزء أو أقلّ أو أكثر منه كلّها سقيمة غير صحيحة.
وقد سألني جماعةٌ من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المرويّة بأسانيد يحتجُّ محمد بن إسماعيل ـ البخاري ـ ومسلم ابن الحجّاج بمثلها ؛ إذ لا سبيل إلىٰ إخراج ما لا علّة له ، فإنّهما ـ رحمهما الله ـ لم يدّعيا ذلك لأنفسهما.
وقد خرّج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها وهي معلولة ، وقد جهدتُ في الذبِّ عنها في المدخل إلى الصحيح بما رضيه أهل الصنعة ، وأنا أستعين الله علىٰ إخراج أحاديث رُواتها ثقاتٌ قد احتجّ بمثلها الشيخان رضياللهعنهما أو أحدهما ، وهذا شرط الصحيح عند كافّة فقهاء أهل الإسلام ، أنَّ الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولةٌ. انتهى.
وقال الحافظ الكبير العراقي في فتح المغيث (٢) ( ص ١٧ ) في شرح قوله في ألفيّة الحديث :
ولم يَعُمّاه ولكنْ قلَّ ما |
|
عند ابن الاخرم منه قد فاتهما |
أي لم يعمَّ البخاري ومسلم كلّ الصحيح ؛ يريد لم يستوعباه في كتابيهما ، ولم يلتزما ذلك ، وإلزام الدارقطني وغيره إيّاهما بأحاديث ليس بلازم ، قال الحاكم في خطبة المستدرك : ولم يحكما ولا واحد منهما أنه لم يصحّ من الحديث غير ما أخرجاه. انتهىٰ. قال البخاري :
___________________________________
(١) المستدرك على الصحيحين : ١ / ٤١.
(٢) فتح المغيث : ص ١٤ رقم البيت ٢٤ ، ص ١٦ رقم ٢٩ و ٣٠.