وغاية ما عند ابن حزم في قتلة عثمان : أنَّ اجتهادهم في مقابلة النّص : « لا يحلُّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إلٰه إلّا الله وأنّي رسول الله إلّا بإحدىٰ ثلاث : الثيّب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة » (١).
لكنّه لا يقول ذلك في قاتل عليّ عليهالسلام ومقاتليه وقاتل عمّار ، وقد عرفت أنَّ الحالة فيهم عين ما حسبه في قتلة عثمان.
ثمّ إنّ ذلك علىٰ ما أصّله هو في غير مورد لا يؤدّي إلّا إلىٰ خطأ القوم في اجتهادهم ، فَلِمَ لَم يُحابِهِم الأجر الواحد ، كما حابىٰ عبد الرحمن بن ملجم ونظراءه ؟ نعم ، له أن يعتذر بأنّ هذا قاتل عليّ ، وأولئك قتلة عثمان !
علىٰ أنَّ نفيه المجال للاجتهاد هناك إنَّما يصحُّ علىٰ مزعمته في الاجتهاد المصيب ، وأمّا المخطئ منه فهو جارٍ في المورد كأمثاله من مجاريه عنده.
ثمّ إنّ الرجل في تدعيم ما ارتآه من النظريّات الفاسدة وقع في ورطة لا تروقه ، ألا وهي سبُّ الصحابة بقوله : فهم فسّاقٌ ملعونون ، وذهب جمهور أصحابه إلىٰ تضليل من سبّهم بين مُكفِّر ومفُسِّق ، وأنَّه موجب للتعزير عند كثير من الأئمّة بقول مطلق من غير تفكيك بين فرقة وأخرىٰ أو استثناء أحد منهم ، وهو إجماعهم علىٰ عدالة الصحابة أجمعين (٢).
___________________________________
(١) أخرجه البخاري [ في صحيحه : ٦ / ٢٥٢١ ح ٦٤٨٤ ] ، ومسلم [ في صحيحه : ٣ / ٥٠٦ ح ٢٥ ] ، وأبو داود [ في سننه : ٤ / ١٢٦ ح ٤٣٥٢ ] ، والترمذي [ في سننه : ٤ / ١٢ ح ١٤٠٢ ] ، والنسائي [ في السنن الكبرىٰ : ٢ / ٢٩١ ح ٣٤٧٩ ] ، وابن ماجة [ في سننه : ٢ / ٨٤٧ ح ٢٥٣٤ ] ، والدارمي في السنن [ ٢ / ١٧٢ ] ، وابن سعد في الطبقات [ ٣ / ٦٧ ] ، وأحمد [ ١ / ٦٣١ ح ٣٦١٤ ] ، والطيالسي [ ص ٣٧ ح ٢٨٩ ] في المسندين ، وابن هشام في السيرة ، والواقدي في المغازي : ص ٤٣٠ و ٤٣٢. ( المؤلف )
(٢) راجع الصارم المسلول علىٰ شاتم الرسول : ص ٥٧٢ ـ ٥٩٢ ، والإحكام في أصول الأحكام [ للآمدي ] : ٢ / ٦٣١ [ ٢ / ١٠٢ ] ، والشرف المؤبّد : ص ١١٢ ـ ١١٩ [ ص ٢٣٢ ـ ٢٤٧ ]. ( المؤلف )