وتبع هؤلاء جماعة من بواقع (١) العلم والعربيّة الذين لا يَعْدون مواقع اللغة ، ولا يجهلون وضع الألفاظ ، ولا يتحرّون إلّا الصحّة في تراكيبهم وشعرهم ، كدعبل الخزاعي ، والحِمّاني الكوفي ، والأمير أبي فراس ، وعلم الهدى المرتضىٰ ، والسيِّد الشريف الرضيّ ، والحسين بن الحجّاج ، وابن الروميِّ ، وكشاجم ، والصنوبري ، والمفجّع ، والصاحب بن عبّاد ، والناشئ الصغير ، والتنوخي ، والزاهي ، وأبي العلاء السروي ، والجوهري ، وابن علويّة ، وابن حمّاد ، وابن طباطبا ، وأبي الفرج ، ومهيار ، والصولي النيلي ، والفنجكردي ... إلىٰ غيرهم من أساطين الأدب وأعلام اللغة ، ولم يزل أثرهم مقتصّاً في القرون المتتابعة إلىٰ يومنا هذا ، وليس في وسع الباحث أن يحكم بخطأ هؤلاء جميعاً وهم مصادره في اللغة ، ومراجع الأمّة في الأدب.
وهنالك زرافات من الناس فهموا من اللفظ هذا المعنىٰ وإن لم يُعربوا عنه بقريض ، لكنّهم أبدوه في صريح كلماتهم ، أو أنَّه ظهر من لوائح خطابهم ، ومن أولئك الشيخان وقد أتيا أمير المؤمنين عليهالسلام مهنِّئَين ومبايعَين وهما يقولان : أمسيت ياابن أبي طالب مولىٰ كلِّ مؤمن ومؤمنة (٢). فليت شعري أيّ معنىً من معاني ( المولى ) الممكن تطبيقه علىٰ مولانا لم يكن قبل ذلك اليوم ، حتىٰ تجدّد به ، فأتيا يهنِّئانه لأجله ، ويصارحانه بأنّه أصبح متلفِّعاً به يوم ذاك ؟ أهو معنى النصرة أو المحبّة اللتين لم يزل أمير المؤمنين عليهالسلام متّصفاً بهما منذ رضع ثُدِيَّ الإيمان مع صنوه المصطفىٰ صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ أم غيرهما ممّا لا يمكن أن يراد في خصوص المقام ؟ لاها الله لا ذلك ولا هذا ، وإنَّما أرادا معنىً فهمه كلّ الحضور من أنَّه أولىٰ بهما وبالمسلمين أجمع من أنفسهم ، وعلىٰ ذلك بايعاه وهنّآه.
ومن أولئك : الحارث بن النعمان الفهري ـ أو جابر ـ المنتقَم منه بعاجل العقوبة يوم جاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول : يا محمد أمرتنا بالشهادتين والصلاة والزكاة
___________________________________
(١) البواقع : جمع باقعة ، وهو الرجل الذكيّ العارف.
(٢) مرّ حديث التهنئة بأسانيده وتفاصيله ( ص ٢٧٠ ـ ٢٨٣ ). ( المؤلف )