والثاني : وهو إنشاء وجوب حبّه ونصرته بقوله ذلك ، وهو لا يقلُّ عن المحتمل الأوّل في التفاهة ، فإنّه لم يكن هناك أمرٌ لم يُنشأ وحكمٌ لم يُشرّع حتىٰ يحتاج إلىٰ بيانه الإنشائي كما عرفت ، علىٰ أنَّ حقّ المقام علىٰ هذين الوجهين أن يقول صلىاللهعليهوآلهوسلم : من كان مولاي فهو مولىٰ عليٍّ أي محبّه وناصره ، فهذان الاحتمالان خارجان عن مفاد اللفظ ، ولعلّ سبط ابن الجوزي نظر إلىٰ هذا المعنىٰ ، وقال في تذكرته (١) ( ص ١٩ ) : لم يجز حمل لفظ المولىٰ في هذا الحديث على الناصر. وسيأتي لفظه بتمامه.
علىٰ أنَّ وجوب المحبّة والمناصرة علىٰ هذين الوجهين غير مختصّ بأمير المؤمنين عليهالسلام وإنَّما هو شرع سواء بين المسلمين أجمع ، فما وجه تخصيصه به والاهتمام بأمره ؟ وإن أُريد محبّة أو نصرة مخصوصة له تربو علىٰ درجة الرعيّة كوجوب المتابعة ، وامتثال الأوامر ، والتسليم له ، فهو معنى الحجّية والإمامة ، لاسيّما بعد مقارنتها بما هو مثلها في النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله : « من كنت مولاه » ، والتفكيك بينهما في سياق واحد إبطال للكلام.
والثالث : وهو إخباره بوجوب حبّهم أو نصرتهم عليه ، فكان الواجب ـ عندئذٍ ـ إخباره صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّاً والتأكيد عليه بذلك ، لا إلقاء القول به على السامعين ، وكذلك إنشاء الوجوب عليه وهو المحتمل الرابع ، فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم في غنىً عن ذلك الاهتمام وإلقاء الخطبة واستسماع الناس والمناشدة في التبليغ ، إلّا أن يريد جلب عواطف الملأ وتشديد حبّهم له عليهالسلام إذا علموا أنَّه محبّهم أو ناصرهم ليتّبعوه ، ولا يُخالفوا له أمراً ، ولا يردّوا له قولاً.
وبتصديره صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلام بقوله : « من كنت مولاه » نعلم أنَّه علىٰ هذا التقدير لا يُريد من المحبّة أو النصرة إلّا ما هو على الحدّ الذي فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم منهما ، فإنّ حبّه ونصرته لأُمّته ليس كمثلهما في أفراد المؤمنين ، وإنَّما هو صلىاللهعليهوآلهوسلم يحبّ أُمّته فينصرهم ، بما أنَّه زعيم
___________________________________
(١) تذكرة الخواص : ص ٣٢.