طاعته ، وقطع المعاذير عن محادّته بخطبته التي ألقاها ، ونحن لم نألُ جُهداً في إفاضة القول في مفاده.
ويشبه هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده (١) ( ٥ / ٣٤٧ ) وآخرون عن بُريدة قال : غزوت مع عليٍّ اليمن ، فرأيت منه جَفوةً ، فلمّا قدمتُ علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكرت عليّاً فتنقّصتُه ، فرأيت وجه رسول الله يتغيّر ، فقال : « يا بريدة ألستُ أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلت : بلىٰ يا رسول الله.
قال : من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ».
فكأنّ راوي هذه القصّة كراوي سابقتها أراد تصغيراً من صورة الأمر ، فصبّها في قالب قضيّة شخصيّة ، ونحن لا يهمّنا ثبوت ذلك بعد ما أثبتنا حديث الغدير بطرقه المُرْبية على التواتر ، فإنّ غاية ما هنالك تكريره صلىاللهعليهوآلهوسلم اللفظ بصورة نوعيّة تارة ، وفي صورة شخصيّة أخرىٰ ، لتفهيم بُريدة أنَّ ما حسبه جَفوة من أمير المؤمنين لا يسوغ له الوقيعة فيه علىٰ ما هو شأن الحكّام المفوّض إليهم أمر الرعيّة ، فإذا جاء الحاكم بحكم فيه الصالح العامّ ، ولم يرُقْ ذلك لفرد من السُّوقة ، ليس له أن يتنقّصه ؛ فإنّ الصالح العامّ لا يدحضه النظر الفرديُّ ، ومرتبة الولاية حاكمة على المبتغيات الشخصيّة ، فأراد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يُلزم بُريدة حدّه ، فلا يتعدّىٰ طوره بما أثبته لأمير المؤمنين من الولاية العامّة نظير ما ثبت له صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « ألست أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم ؟ »
( هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) (٢)
___________________________________
(١) مسند أحمد : ٦ / ٤٧٦ ح ٢٢٤٣٦.
(٢) آل عمران : ١٣٨.