وبعض آخر إلى القيل ، وذكروا أنَّ السبب في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كنت مولاه » : أنَّ أُسامة بن زيد قال لعليّ : لست مولاي ، إنَّما مولاي رسول الله ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه ».
إنَّ من روىٰ هذه الرواية المجهولة أراد حطّاً من عظمة الحديث ، وتحطيماً لمنعته فصوّره بصورة مصغّرةٍ لا تعدو عن أن تكون قضيّة شخصيّة ، وحواراً بين اثنين من أفراد الأمّة ، أصلحه رسول الله بكلمته هذه ، وهو يجهل أو يتجاهل عن أنَّه تَخْصمه على تلك المزعمة الأحاديثُ المتضافرة في سبب الإشادة بذلك الذكر الحكيم من نزول آية التبليغ إلىٰ مقدّمات ومقارنات أخرىٰ لا يلتئم شيء منها مع هذه الأكذوبة ، ومثلها الآية الكريمة الناصّة بكمال الدين ، وتمام النعمة ، ورضا الربّ بذلك الهتاف المبين ، وليست هذه العظمة من قيمة الإصلاح بين رجلين تلاحيا ، لكن ذهب على الرجل أنَّه لم يزد إلّا تأكيداً في المعنىٰ وحجّة على الخصم علىٰ تقدير الصحّة.
فهب أنَّ السبب لذلك البيان الواضح هو ما ذكر ، لكنّا نقول : إنَّ ما أنكره أُسامة علىٰ أمير المؤمنين عليهالسلام من معنى المولىٰ ، وأثبته لرسول الله خاصّة دون أيّ أحد ، لا بدّ أن يكون شيئاً فيه تفضيل لا معنىً ينوء به كلُّ أحد حتىٰ أُسامة نفسه ، ولا تفاضل بين المسلمين من ناحيته في الجملة ، وذلك المعنى المستنكر المثبت لا يكون إلّا الأولويّة أو ما يجري مجراها من معاني المولىٰ.
ونقول : إنَّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا علم أنَّ في أُمّته من لا يلاحي ابن عمّه ويناوئه بالقول ، ويخشىٰ أن يكون له مغبّة وخيمة تؤول إلىٰ مضادّته ، ونصْب
العراقيل أمام سيره الإصلاحيّ من بعده ، عقد ذلك المحتشد العظيم فنوّه بموقف وصيّه من الدين ، وزلفته منه ، ومكانته من الجلالة ، وأنَّه ليس لأحد من أفراد الأمّة أن يقابله
بشيء من القول أو العمل ، وإنَّما عليهم الطاعة له ، والخضوع لأمره ، والرضوخ لمقامه ، وأنَّه
يجري فيهم مجراه من بعده ، فاكتسح بذلك المعاثر عن خطّته ، وألحب السَّنَن إلىٰ