لكي تباع بأرض الهند ، فمُرَّ بها على مسروق بن الأجدع ، فقال : «والله لو أني أعلم انه يقتلني لغرّقتها ، ولكني أخاف أن يعذبني فيفتنني ، والله ، لا أدري أي الرجلين معاوية : رجل قد زُيّن له سوء عمله ، أو رجل يئس من الآخِرة ، فهو يتمتع في الدنيا» (١).
وهذا الكلام ما أصرحه في جواز التقية عند الخوف من الحاكم الظالم ، ولو من غير القتل ، وفيه إيماءة إلى أنّ التعذيب بالضرب والإهانة وما شابه ذلك هو أشد وقعاً على نفوس العلماء وأهل الفضل من القتل بالسيف ونحوه ، على أن مسروقاً كان يرى : إن المكره على التقية اذا أباها حتى مات ، دخل النار ، وقد تقدم هذا في قول أبي حيان (٢).
٣٥ ـ نجدة بن عويمر الخارجي (ت / ٦٩ ه) :
حكى الشهرستاني (ت / ٥٤٨ ه) في ملله (٣) اختلاف نجدة بن عويمر ، رأس فرقة النجدات من الخوارج مع نافع بن الأزرق (ت / ٦٥ ه) ، رأس فرقة الأزارقة من الخوارج أيضاً ، في مشروعية التقية. فقال نافع : التقية لا تحل ، وخالفه نجدة بن عويمر الحروري ، وقال : التقية جائزة ، واحتجّ بقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٤) وبقوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (٥) ، وأثبت لنافع أنّ التقية مشروعة من لدن عليم حكيم.
__________________
(١) المبسوط / السرخسي ٤٦ : ٢٤.
(٢) البحر المحيط / أبو حيان الأندلسي ٤٢٤ : ٢.
(٣) الملل والنحل / الشهرستاني ١٢٥ : ١.
(٤) آل عمران : ٣ / ٢٨.
(٥) غافر ٤٠ / ٢٨.