والوجه في ذلك : أنه لو لم يكن لذلك مستحقا " لم يكن الانتصاف منه ممكنا " مع وجوب الانتصاف ، بخلاف ما قال أبو هاشم ، (١) ، فإنه أجاز أن يكون ممن لا يخرج من الدنيا إلا وقد استحق ذلك ، وقد كلف الله تعالى من أكمل عقله النظر في طريق معرفته.
ثم وهذا الواجب أول الواجبات على العاقل ، لأن جميعها عند السائل يجب تأخيره أو يجوز ذلك فيه.
ووجه وجوب هذا النظر : وجوب المعرفة التي يؤدي إليها. ووجه وجوب المعرفة : أن العلم باستحقاق الثواب والعقاب الذي هو لطف في فعل الواجب العقلي لا يتم إلا بحصول هذه المعرفة ، وما لا يتم الواجب إلا به واجب.
والنظر هو الفكر ، ويعلمه أحدنا من نفسه ضرورة ، وإنما يجب على هذا النظر إذا خاف من تركه وإهماله ، وإنما يخاف الضرر بالتخويف من العباد إذا كان ناشئا " بينهم ، أو بأن يبتدئ في الفكر في أمارة الخوف من ترك النظر ، أو بأن يخطر الله تعالى بباله ما يدعوه إلى النظر ويخوفه من الاهمال. والأولى في الخاطر أن يكون كاملا خفيا " يسميه وإن لم يميزه، والنظر في الدليل على الوجه الذي يدل سبب تولد العلم ، لأنه يحدث بحسبه فجرى في أنه مولود
__________________
(١) أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان الجبائي : رأس الفرقة البهشمية المعروفة ، وكان هو وأبوه من رؤوساء المعتزلة ، ولهما مقالات على مذهب الاعتزال ، ولهما آراء انفردا بها عن أصحابها ، وانفرد هو وأبوه أيضا " كل واحد منهما عن الآخر بمسائل ، ولد سنة ٢٤٧ وتوفي سنة ٣٢١ ه ودفن ببغداد. ميزان الاعتدال ٢ / ٦١٨ ، وفيات الأعيان ٢ / ٣٥٦ ، الأعلام للزركلي ٤ / ١٣٠ ، الكنى والألقاب ٢ / ١٢٦ ، الملل والنحل ١ / ١٠٣ ـ ١١٢.