يبيّن ما ذكرناه أنّ الأمّيّ يقدر على الكتابة ؛ لأنّ الكتابة ليست أكثر من حركات يده واعتماداتها بالآلة ، وهو قادر على سائر أجناس الحركات والاعتمادات ، وإنّما يتعذّر عليه الكتابة لفقد العلم.
وتعذّر الشّعر على المفحم والفصاحة على الألكن من هذا الباب أيضا ؛ لأنّ الشّعر لم يتعذّر على المفحم من حيث لم يكن قادرا على حروفه ، أو على إحداثها متقدّمة أو متأخّرة حتّى يقع شعرا ، وإنّما تعذّر ذلك عليه من حيث فقد العلم بكيفيّة تقديم الحروف وتأخيرها ، وضمّها وتفريقها.
فإن كان المعنى الّذي ذكرناه وفصّلناه (١) هو الّذي عناه أبو القاسم البلخيّ وذهب إليه ، فهو مخالف للفظ حكايته ، وملحق له بالمذهب الّذي رددناه عليه (٢).
وقد وجدت له في كتابه الموسوم ب «عيون المسائل والجوابات» (٣) ، كلاما في هذا الباب ، يدلّ على أنّه أراد شيئا فأساء العبارة عنه ، لأنّه قال :
«واحتجّ الّذين ذهبوا إلى [أنّ] نظمه ـ يعني القرآن ـ ليس بمعجز ، إلّا أنّ الله تعالى أعجز عنه ـ فإنّه لو لم يعجز عنه لكان مقدورا عليه ـ بأنّه حروف قد جعل بعضها إلى جنب بعض. وإذا كان الإنسان قادرا على أن يقول : «الحمد» ،
__________________
(١) في الأصل : وفصّلنا ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠١ : «إذا أردنا ما ذكره [و] فسّره ، فقد عبّر عنه بغير عبارته ، لأنّ الشعر لا يتعذّر على المفحم والفصاحة على الألكن ، لأنّ جنسيهما غير مقدور لهما. وإنّما يتعذّر ذلك منهما لفقد العلم بكيفيّة تقديم الحروف وتأخيرها ، كما تتعذّر الكتابة على الأمّيّ لفقد العلم لا لفقد القدرة ، فقد لحق مذهب أبي القاسم بالمذهب الأوّل الذي أبطلناه ، وإن كان أخطأ في العبارة عنه».
(٣) يعدّ هذا الكتاب من تراث أبي القاسم البلخيّ المفقود ، راجع الفهرست لابن النديم / ٢١٩.