فهو قادر على أن يقول : «لله» (١) ، ثمّ كذلك القول في كلّ حرف. وإذا كان هذا هكذا فالجميع مقدور عليه ، لو لا أنّ الله تعالى أعجز عنه (٢).
ثمّ قال : قيل لهم : أوّل ما في هذا أنّ الأمر لو كان على ما ذهبتم إليه لكان الواجب أن يسخف نظمه ، ويجعله أدون ما يجوز في مثله ، ليكون العجز عنه أعظم في (٣) الأعجوبة ، وأبلغ في الحجّة.
ثمّ يقال لهم : وكذلك قول الشّاعر (٤) :
يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم |
|
لا يسألون عن السّواد المقبل |
إنّما هو حروف ، لا يمتنع على أحد من أهل اللّغة أن يأتي بالحرف بعد الحرف منها ؛ فقد يجب أن يكون كلّ من قدر على ذلك ، فقد يجوز أن يقدر على مثل هذا الشّعر وأن لا يمتنع عليه.
فإن مرّوا على هذا وضح باطلهم ، وإن اعتلّوا بشيء كان مثله فيما تعلّقوا به» (٥).
__________________
(١) في الأصل : الله ، والمناسب ما أثبتناه وفقا لما في الذخيرة / ٤٠١.
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠١ : «ووجدت له في كتابه الموسوم ـ ب (عيون المسائل والجوابات) ما يدلّ على أنّه أراد غير ما دلّ لفظه الذي حكيناه عليه ، لأنّه قال : واحتجّ من ذهب إلى أنّ نظم القرآن ليس بمعجز عنه : إلّا أنّ الله تعالى أعجز عنه ، وأنّه لو لم يعجز عنه لكان مقدورا عليه ؛ بأنّه حروف جعل بعضها إلى جنب بعض ، فإذا قدره الإنسان على أن يقول «الحمد» فهو قادر على أن يقول «الحمد لله» ، ثمّ كذلك كلّ حرف».
(٣) في الأصل : من ، وما أثبتناه أنسب للسياق.
(٤) هو حسّان بن ثابت ، والبيت له ، راجع ديوانه المطبوع ١ / ٧٤.
(٥) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠١ : «ثمّ قال البلخيّ ، يقال له : وكذلك قول الشاعر :
يعشون حتّى ما تهرّ كلابهم |
|
لا يسألون عن السواد المقبل |
إنّما هو حروف ، لا يمتنع على أحد من أهل اللغة أن يأتي بالحرف منها بعد الحرف ، فقد كان يجب أن يكون كلّ من قدر على الحروف لا يمتنع عليه الشعر».