في تكلّفها في الحال العلوم التي يتأتّى معها مثل فصاحة القرآن وطريقته في النّظم.
وإذا لم يقصد المعارضة ، وجرى على شاكلته في نظم الشّعر ، ووصف (١) الخطب ، والتّصرّف في ضروب الكلام ، خلّي بينه وبين علومه ، ولم يخلّ بينه وبين معرفته. ولهذا لا نصيب في شيء من كلام العرب ـ منثوره ومنظومه ـ ما يقارب القرآن في فصاحته ، مع اختصاصه في النّظم بمثل طريقته.
وهذا الجواب لا يصحّ الأمر فيه إلّا بأن ندلّ على أنّ التّحدّي وقع بالفصاحة مع الطّريقة في النّظم ، وعلى أنّ القرآن مختصّ بطريقة في النّظم مفارقة لسائر نظوم الكلام ، وعلى أنّ القوم لو لم يصرفوا على الوجه الّذي ذكرناه لوقعت منهم المعارضة بما يساوي أو يقارب الوجه الذي ذكرناه ، [و] لم يمكن أن يدّعى أنّ شعر الطائبيّين (٢) ومن جرى مجراهما من المحدثين ـ إذا قدّرنا ارتفاع من بينهما من ذوي الطّبقات ؛ لأنّ التقارب والتّساوي فيما ذكرنا (٣) أنّهم يتساوون فيه ـ يريد أن يكون خارقا للعادة وإن كان بائنا متقدّما.
على أنّ الدّعوى في فصاحة القرآن ـ أنّها وإن خرقت عادة العرب وبانت من فصاحتهم فليس بينها وبين فصيح كلامهم من التّباعد ما بين شعر امرئ القيس (٤)
__________________
(١) هكذا في الأصل ، ولعلّه : رصف.
(٢) الطائيّان هما :
١ ـ أبو تمّام حبيب بن أوس الطائيّ ، صاحب الحماسة وأحد أشهر شعراء العرب ، قيل إنّه كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة من أراجيز العرب ، وكان شيعيّا مواليا لأهل البيت عليهالسلام ، توفّي بالموصل أيّام الواثق بالله عام ٢٣١ (وقيل ٢٣٨ ه).
٢ ـ البحتريّ ، أبو عبادة ، الوليد بن عبيد الطائيّ ، الشاعر المشهور ، ولد بمنبج من أعمال الشام ، ومدح جماعة من الخلفاء أوّلهم المتوكّل ، وخلقا كثيرا من الرؤساء والأكابر ، توفّي عام ٢٨٤ ه.
(٣) في الأصل : ذكرنا ، والمناسب ما أثبتناه.
(٤) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكنديّ (نحو ١٣٠ ـ ٨٠ ق. ه) ، شاعر جاهليّ ، بل أشهر شعراء العرب على الإطلاق.