وشعر الطائبيّين ـ ظاهرة التّناقض ؛ لأنّا قد علمنا أنّ الطائبيّين قد يقاربان ويساويان امرأ القيس من القصيدة في البيتين والثّلاثة وإن تعذّر عليهما المساواة فيما جاوز هذا الحدّ. ونسبة ما يمكن أن تقع المساواة منهما فيه إلى جملة القصيدة نسبة محصّلة ؛ لعلّها أن تكون العشر (١) وما يقاربه ؛ لأنّ القصيدة المتوسّطة في الطّول والقصر من أشعارهم ليس تتجاوز من ثلاثين إلى أربعين بيتا. وإذا أضفنا ذلك ـ على هذا الاعتبار ـ إلى جملة شعرهما وشعره ، وجدنا أيضا ما يمكن أن يساوياه فيه من جملة شعرهما هذا المبلغ الذي ذكرناه بل أكثر منه ، لأجل كثرة شعرهما وزيادته على شعر امرئ القيس.
وقد ثبت أنّ التحدّي للعرب استقرّ آخرا على مقدار ثلاث آيات قصار من عرض ستّة آلاف آية وكذا وكذا طوالا وقصارا ، لأنّه وقع بسورة غير معيّنة ، وأقصر السّور ما كان ثلاث آيات ، فلا بدّ أن تكون العرب ـ على المذهب الّذي يردّ على القائلين به ـ غير متمكّنين من مساواته أو مقاربته في مقدار ثلاث آيات. ولهذا عندهم (٢) لم يروموا المعارضة ولم يتعاطوها.
ونحن نعلم أنّ نسبة ثلاث الآيات الّتي لم يتمكّنوا من مساواته ومقاربته فيها إلى جملة القرآن أقلّ وأنقص بأضعاف مضاعفة من نسبة ما يتمكّن الطائيّان من مساواة امرئ القيس أو مقاربته فيه ، سواء أضفت ذلك إلى كلّ قصيدة من شعر امرئ القيس أو أضفته إلى جملة شعره ، بل كان ما يتمكّن العرب من مقاربة القرآن فيه ـ إذا أضفناه إلى ما يتمكّن المحدّثون من مقاربة المتقدّمين فيه ـ لا نسبة له إلى القرآن. وليس هذا إلّا لأنّ التباعد بين القرآن وبين ممكن فصحاء العرب قد جاوز كلّ عادة ، وخرج عن كلّ حدّ. وأنّه لم يفضل كلام فصيح فيما مضى ولا فيما يأتي
__________________
(١) في الأصل : الشعر ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) كذا في الأصل ، ولعلّه : عدّهم.