العذاب والتعريض لكل بلية أطيب وألذ وأفضل من النعيم السالم من أن يتقدمه بلاء. ثم الأطفال الذين يدخلون الجنة دون تكليف ولا عذاب ، ومن بلغ ولا تمييز له ، ثم منزلة من دخل النار ثم أخرج منها بعد أن دخل فيها على ما فيها من البلاء نعوذ بالله منه ، وأمّا من يخلّد في النار فكل ذي حس سليم توقن نفسه بيقين ضرورة أن الكلب والدود والقرد وجميع الحشرات أحسن حالا في الدنيا والآخرة منه ، وأعلى مرتبة وأتم سعدا وأفضل صفة وأكرم عناية عند الباري تعالى منه.
ويكفي من هذا إخبار الله تعالى إذ يقول : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [سورة النبأ : ٤٠]. فنصّ تعالى على أن حال الجمادية أحسن من حاله ، فاعجبوا للمعتزلة القائلين إن الله تعالى أعطى من يتمنى يوم القيامة أن يكون ترابا أفضل عطية عنده ولم يترك في قدرته أصلح مما عمل به ، وأن خلقه له كان خيرا له من ألا يخلقه ، ونحن نعوذ بالله لأنفسنا من أن يعمل بنا ما عمل بهم.
قال أبو محمد : ومن عجائبهم قولهم إن الله تعالى لم يخلق شيئا لا يعتبر به أحد من المكلفين.
قال أبو محمد : فنقول لهم : ما دليلكم على هذا ، وقد علمنا بضرورة الحس أن لله تعالى في قعور البحار وأعماق الأرض أشياء كثيرة لم يرها إنسان قط ، فلم يبق إلا أن تدعوا غوص الملائكة والجن في عمق الجبال وقعور البحور ، فهذه دعوى مفتقرة إلى دليل ، وإلا فهي باطلة ، قال عزوجل : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [سورة البقرة : ١١١]. وأيضا فمما يبطل به دعوى هؤلاء القائلين بغير علم على الله أن الله تعالى إذ خلق زيدا وله من الطول كذا وكذا فإنه لو خلقه على أقلّ من ذلك الطول بإصبع لكان الاعتبار بخلقه سواء كما هو الآن ولا مزيد ، وهكذا كل مقدار من المقادير ، فإن ادّعوا أن الزيادة في العدد زيادة في العبرة لزمهم أن يلزموا ربهم تعالى أن يزيد في مقدار طول كل ما خلق لأنه كان يكون زيادة في الاعتبار وإلا فقد قصر ، وبالجملة فهو سهم لا يحصيه إلا الذي خلقهم نعوذ بالله مما ابتلاهم به.
قال أبو محمد : وهم مقرّون أن العقول معطاة من عند الله عزوجل ، فنسألهم أفاضل بين عباده فيما أعطاهم من العقول أم لا؟ فإن قالوا لا كابروا الحس ولزمهم مع ذلك أن عقل النبي صلىاللهعليهوسلم وتمييزه وعقل موسى وعيسى وإبراهيم وأيوب وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتمييزهم وعقل مريم بنت عمران وتمييزها بل تمييز جبريل وميكائيل وسائر الملائكة ، ثم تمييز أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي