وقال ـ تعالى ـ حاكيا عن الذين أثنى عليهم من مؤمني الجن ، أنهم قالوا : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) [سورة الجن : ١٠].
قال أبو محمد : وصدقهم الله ـ عزوجل ـ في ذلك إذ لو أنكره لما أورده مثنيا عليهم في ذلك ، وهذا في غاية البيان الذي قد هلك من خالفه ، وبطل به قول الضّلّال الملحدين القائلين : إن الله ـ تعالى ـ أراد رشد فرعون وإبليس ، وأنه ليس عنده أصلح مما فعل بهما ولا يقدر لهما على هدى أصلا.
وقال ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [سورة الأعراف : ١٧٩].
فليت شعري أيّ مصلحة لهم في أن يذرأهم لجهنم؟ نعوذ بالله من هذه المصلحة. وقال تعالى : (وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) [سورة غافر : ٩].
فصح أنه ـ تعالى ـ هو الذي يقي السيئات ، وأن الذي رحمه هو الذي وقاه السيئات ، لأنّ من لم يقه السيئات فلم يرحمه ، وبلا شك أن من وقاه السيئات فقد فعل به أصلح مما فعل بمن لم يقه إياها ، هذا مع قوله ـ تعالى : ـ (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) [سورة السجدة : ١٣] (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [سورة يونس : ٩٩].
ولا يشك من لدماغه أقل سلامة ، أو في وجهه من برد الحياء شيء ، في أن هذا كان أصلح بالكفار من إدخالهم النار ، بأن لا يؤتيهم ذلك الهدى ، وإن كانوا كما يقولون من دخولهم الجنة بغير استحقاق.
وقال ـ تعالى ـ : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [سورة الحجرات : ٧].
فليت شعري أين فعله ـ تعالى ـ بهؤلاء ـ نسأل الله أن يجعلنا منهم ـ من فعله بالذين قال فيهم : إنّه ختم على قلوبهم وزيّن لهم سوء أعمالهم وجعل صدورهم ضيقة حرجا.
إنّ من ساوى بين الأمرين وقال : إن الله ـ تعالى ـ لم يعط هؤلاء إلا ما أعطى هؤلاء ، ولا أعطى من الهدى والاختصاص محمدا وإبراهيم وموسى وعيسى ويحيى والملائكة ـ عليهمالسلام ـ إلّا ما أعطى إبليس وفرعون وأبا جهل وأبا لهب والذي حاجّ إبراهيم في ربّه واليهود والنصارى والمجوس والثقلين والشرط والبغّائين ، والعواهر ،