فنص تعالى كما ترى على أنه من لم يتفضل عليه ولم يرحمه اتبع الشيطان ضرورة ، فصح أن التوفيق به يكون الإيمان ، وأن الخذلان به يكون الكفر والعصيان ، وهو اتّباع الشيطان ، ومعنى قوله : «إلا قليلا» إنما هو على ظاهره وهو استثناء من المنعم عليهم المرحومين الذين لم يتبعوا الشيطان برحمته تعالى عليهم ، أي لاتّبعتم الشيطان إلا قليلا لم يرحمهمالله تعالى ، فاتبعوا الشيطان ، فلم تتبعون إذ رحمكم الله؟ وهذا نص ما قلنا ولله الحمد.
وقال تعالى : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) [سورة النساء : ٨٨].
وهذا نص ما قلنا : أن من أضله الله تعالى فلا سبيل له إلى الهدى ، وأن الضلال وقع مع الإضلال من الله تعالى للكافر والفاسق.
وقال تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [سورة الأنعام : ٨٨].
فأخبر تعالى أنّ عنده هدى يهدي به من يشاء من عباده فيكون مهتديا ، وهذا تخصيص ظاهر كما ترى ، وقال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [سورة الأنعام : ١٢٥].
فهذا نص على ما قلناه وأن الله تعالى قد نص لنا على أن من أراد هداه شرح صدره للإسلام ، فآمن بلا شك ، وأن من أراد إضلاله ولم يرد هداه ضيّق صدره وأحرجه ، حتى يكون كمريد الصعود إلى السماء ، فهذا لا يؤمن البتة ، ولا يستطيع الإيمان ، وأنه في حقيقة أمره كمن كلف الصعود إلى السماء ، فهذا لا يؤمن البتة ، وهو في ظاهر أمره مستطيع بصحة جوارحه.
قال أبو محمد : إن الضال لمن ضل بعد ما ذكرنا من النصوص التي لا تحتمل تأويلا ، ومن شهادة خمسة من الأنبياء عليهمالسلام : إبراهيم وموسى ويوسف والخضر ومحمد عليهم الصلاة والسلام ، بأنهم لا يستطيعون فعلا لشيء من الخير إلا بتوفيق الله تعالى لهم ، وأنهم إن لم يوفقهم ضلوا جميعا مع ما أوردنا من البراهين الضرورية المعروفة بالحس وبديهة العقل ، ومن علم تراكيب الأخلاق الحميدة والمذمومة علم أنه لا يستطيع أحد غير ما يفعل مما خلقه الله عزوجل فيه ، فتجد الحافظ لا يقدر على تأخير الحفظ ، والبليد لا يقدر على الحفظ ، والفهم لا يقدر على الغباوة ، والغبي لا