وقل : إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار» (١).
وفي بعضها : كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل» (٢). وبقول الله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ) [سورة المائدة : ٢٧].
قال أبو محمد : كل هذا لا حجة لهم فيه لما قد تقصيناه غاية التقصي خبرا خبرا بأسانيدها ومعانيها في كتابنا الموسوم بالإيصال إلى فهم معرفة الخصال ، ونذكر منه إن شاء الله هاهنا جملا كافية وبالله تعالى نتأيّد.
أمّا أمره عليهالسلام بالصبر على أخذ المال وضرب الظهر ، فإنما ذلك بلا شك إذا تولى الإمام ذلك بحق ، وهذا ما لا شك فيه أنه فرض علينا الصبر له. فإن امتنع من ذلك بل من ضرب رقبته إن وجب عليه فهو فاسق عاص لله عزوجل ، وأمّا إن كان ذلك بباطل فمعاذ الله أن يأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالصّبر على ذلك ، برهان هذا قول الله عزوجل : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].
وقد علمنا أن كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يخالف كلام ربه تعالى قال الله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم : ٢ ، ٣].
وقال تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء : ٨٢].
فصح أن كل ما قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإنه وحي من عند الله عزوجل لا اختلاف فيه ولا تعارض ولا تناقض ، فإذ هو كذلك فبيقين لا شك فيه يدري كل مسلم أن أخذ مال مسلم أو ذمي بغير حق وضرب ظهره بغير حق إثم وعدوان وحرام ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم حرام عليكم» (٣).
فإذ لا شك في هذا ولا اختلاف من أحد من المسلمين فالمسلّم ماله للأخذ ظلما ، وظهره للضرب ظلما ، وهو يقدر على الامتناع من ذلك بأيّ وجه أمكنه معاون لظالمه على الإثم والعدوان ، وهذا حرام بنصّ القرآن.
__________________
(١) جزء من حديث عن أبي ذرّ ، رواه أبو داود في الفتن باب ٢ ، وابن ماجة في الفتن باب ١٠ ، وأحمد في المسند (٥ / ١٦٣).
(٢) جزء من حديث رواه الإمام أحمد في المسند (٥ / ٢٩٢) ولفظه فيه : «... فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعله».
(٣) جزء من حديث رواه البخاري في الفتن باب ٨ ، وأحمد في المسند (٥ / ٣٩).