ندب لا فرض ، فليس لفاضل بعد هذا أن يمتنع من الصلاة خلف من هو دونه في القصوى من الغايات.
قال أبو محمد : وأما دفع الزكاة إلى الإمام ، فإن كان الإمام القرشي الفاضل ، أو الفاسق ، لم ينازعه فاضل فهي جائزة ، لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أرضوا مصدّقيكم» (١).
ولا يكون مصدقا كل من سمى نفسه مصدقا ، لكن من قام البرهان بأنه مصدق بإرسال الإمام الواجبة طاعته له. وأما من سألها من هو غير الإمام المذكور ، أو غير مصدقه فهو عابر سبيل لا حق له في قبضها ، ولا يجزي دفعها إليه ، لأنه دفعها إلى غير من أمر بدفعها إليه ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (٢).
وهكذا القول في الأحكام كلها عن الحدود وغيرها إن أقامها الإمام الواجبة طاعته والذي لا بدّ منه فإن واقفت القرآن والسنة نفذت ، وإلّا فهي مردودة لما ذكرنا.
وإن أقامها غير الإمام أو وإليه فهي كلها مردودة ولا تحتسب بها ، لأنه أقامها من لم يؤمر بإقامتها ، فإن لم يقدر عليها الإمام فكل من قام بشيء من الحق حينئذ نفذ لأمر الله تعالى لنا بأن نكون قوّامين بالقسط ، ولا خلاف بين أحد من الأئمة إذا كان الإمام حاضرا متمكنا ، أو أميره أو وإليه ، فإنّ من بادر إلى تنفيذ حكم هو إلى الإمام فإنه إما مظلمة ترد ، وإما لغو لا ينفذ. على هذا جرى عمل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجميع عمّاله في البلاد بنقل جميع المسلمين عصرا بعد عصر ، ثم عمل جميع الصحابة رضي الله عنهم.
وأما الجهاد : فهو واجب مع كل إمام ، وكل متغلب ، وكل باغ ، وكل محارب
__________________
والترمذي في الصلاة باب ٦٠. والنسائي في الإمامة باب ٣ و ١١٥ و ٤٣ ، والقبلة باب ١٦. وابن ماجة في الأذان باب ٥ ، والإقامة باب ٤٦. وأحمد في المسند (٣ / ٤٨ ، ٥١ ، ٨٤ ، ١٦٣ ، ٤٧٥ ، ٤ / ١١٨ ، ١٢١ ، ٥ / ٧١ ، ٢٧٢).
(١) رواه مسلم في الزكاة حديث ٢٩ ، والنسائي في الزكاة باب ١٤ ، وأحمد في المسند (٤ / ٣٦٢). ولفظه عند مسلم : عن جرير بن عبد الله قال : جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا : إنّ ناسا من المصدّقين يأتوننا فيظلموننا. قال : فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أرضوا مصدّقيكم». قال جرير : ما صدر عني مصدّق منذ سمعت هذا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو عني راض.
(٢) تقدّم تخريجه في هذا الجزء.