فقد قفا ما لا علم له به ، وقال ما لا يعلم ، وهذا حرام. وقال تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [سورة الإسراء : ٣٦].
وقال عزوجل : (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) [سورة النور : ١٥].
وقال بعضهم : إنّ صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام.
قال أبو محمد : وهذا غاية الفساد ، لأنه قول بلا دليل ، بل البرهان يبطله لقول الله عزوجل : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [سورة الأنعام : ١٦٤].
وقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الأنعام : ١٦٤].
ودعوى الارتباط هاهنا قول بلا برهان ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من إجماع ، ولا من معقول ، وهم قد أجمعوا على أنّ طهارة الإمام لا تنوب عن طهارة المأموم ، ولا قيامه عن قيامه ، ولا قعوده عن قعوده ، ولا سجوده عن سجوده ، ولا ركوعه عن ركوعه ، ولا نيّته عن نيته ، فما معنى هذا الارتباط الذي تدّعون إذن؟
وأيضا : فإن القطع على سريرة الذي ظاهره الفضل لا يجوز ، وإنما هو ظن فاستوى الأمر في ذلك في الفاضل والفاسق ، وصحّ أنه لا يصلّي أحد عن أحد ، وأن كل أحد يصلي عن نفسه. وقال تعالى : (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) [سورة الأحقاف : ٣١]. فوجب بذلك ضرورة أن كل داع دعا إلى خير من صلاة أو حج أو جهاد أو تعاون على بر وتقوى ، ففرض إجابته وعمل ذلك الخير معه ، لقول الله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) [سورة المائدة : ٢].
ومن دعا إلى منكر لم يحل لأحد إجابته إلى الإثم والعدوان ، بل فرض دفاعه ومنعه. وبالله تعالى نتأيد.
قال أبو محمد : وأيضا فإن الفسق منزلة نقص عمن هو أفضل منه ، والذي لا شكّ فيه أن النسبة بين أفجر فاجر من المسلمين وبين أفضل الصحابة رضي الله عنهم ، أقرب من النسبة بين أفضل الصحابة رضي الله عنهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وما عري أحد من تعمّد ذنب وتقصير بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإنّما يتفاضل المسلمون في كثرة الذنوب وقلتها ، وفي اجتناب الكبائر ومواقعتها. وأما الصغائر فما نجا منها أحد بعد الأنبياء عليهمالسلام ، وقد صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم خلف أبي بكر وعبد الرحمن بن عوف ، وبهذا صحّ أن أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يؤمّ القوم أقرأهم فإن استووا فأفقههم (١)
__________________
(١) رواه من طرق وبألفاظ متعددة البخاري في الأذان باب ٥٤. وأبو داود في الصلاة باب ٦٠.